يهدده مندسون بمختلف فئات أسرة العدالة
لم يعد سماسرة القضاة، يشتغلون بشكل تقليدي ثابت، بل صاروا يتحركون عموديا وأفقيا، داخل بنايات إدارة المحاكم، وخارجها بالصالونات والمقاهي والمطاعم. فعندما تستمع إلى أحد المتقاضين، أو إلى من يطلب مساعدته في إيجاد من يتكفل بملفه، شريطة ربحه، تفهم بأن أغلب هؤلاء، يؤمنون بوجود سلطة رابعة، من غير القوة الظاهرة للقوانين والمحامين والقضاة، وهي سلطة سماسرة رجال القضاء. فعندما تشير عليه بنقيب محامين أو محام معروف وأن يثق في القضاء، يجيبك بأنه لا يعرف هؤلاء، مرفقا جوابه بسؤال سهل وبسيط، “هل هو صديق الوكيل والرئيس؟ هل يعرف القاضي الفلاني؟ هل يربح قضاياه؟ أنا مستعد لأي شيء ومع أي كان حتى ولو مع أحد السماسرة الذين أصبحوا كثيرين، ولم نعد نعرف الصالح منهم والنصاب” !!!
سابقا، يقول أحدهم، كان عدد السماسرة محددا ومعروفا وسط جسم القضاء، إذ لم يكن عددهم يتجاوز الثلاثة أو الأربعة بمحاكم أكادير، وكان اللجوء إليهم يفي بالغرض، وتدخلهم يكون فعالا. أما اليوم فأصبح هؤلاء الذين يدّعون بأنهم سماسرة ووسطاء المحاكم، ينتشرون كالكلاب الضالة في المدينة، إذ تجدهم وسط مختلف الفئات والهيآت المشكلة للسلطة القضائية، وذلك ابتداء من الشرطة القضائية إلى النيابة العامة، فالهيأة القضائية ثم الموظفين(ات)، وكذا هيأة المحامين. إنهم عشرات الأشخاص يتحركون داخل الإدارة وخارجها، يصطادون الزبناء، منصبين أنفسهم حلقة الوصل بين المتقاضين والمحكمة والمحامين وأطراف الخصومة من المتقاضين، وأن لهم القدرة على التدخل والوساطة لتوجيه مسارات القضايا نحو المرغوب فيه. يدعون أن لهم علاقة مباشرة مع مهندسي نتائج مختبر الملفات القضائية وإنتاج أحكامها، ويتحكمون في مسارات القضايا.
ففي محكمة إنزكان، أفلحت أخيرا، العناصر الأمنية الموجودة بباحة المحكمة الابتدائية في إلقاء القبض على شخص بتهمة النصب على إحدى النسوة في 2000 درهم، موهما إياها بأنه سيتدخل لصالحها في ملف معروض أمام المحكمة. وجرى الاعتقال، بعدما التقى “النصاب” بالضحية أمام المحكمة ليخبرها باستطاعته التدخل لها لدى المسؤولين القضائيين لصالحها، لكنها فطنت لاحتياله ونصبه، لتخبر العنصر الأمني. وتدخل الأمني، بأمر من وكيل الملك، ليلقي القبض على النصاب وتتم محاكمته.
فاليوم، يقول(ع-ب) صار بإمكان المتقاضين ألا يتعاملوا مع هؤلاء السماسرة والوسطاء، الذين أصبح جلهم مجرد نصابين، إذ أصبح بإمكان المواطن الراغب والمستعد في الحصول على النتيجة التي يريدها مقابل مبالغ مالية، أن يبحث وسط هيأة المحامين، عن الشخص الذي جعل نفسه خارج أخلاقيات المهنة، ولا يعتمد على النصوص والفصول القانونية لربح القضايا، بل يوظف علاقاته ببعض القضاة ممن ضربوا عرض الحائط هيبة القضاء، وانخرطوا في المتاجرة بالقضايا التي تعرض عليهم. ولهذا السبب، يقول (س- ت) نجد أن جميع المتقاضين يفضلون التعامل مع المحامي الذي يعرف القضاة، وليس المحامي الذي يعرف القانون، لأن الأول يستطيع أن يضمن نتيجة إيجابية لصالح المتقاضين.
وشدد (س-ش) على أن الحديث عن سماسرة ووسطاء القضاء لا يخلو من أي حديث بالبيت أو المقهى أو الشارع، إذ يعترف الجميع أن للقضاة سماسرة ووسطاء. وأكد(ر-ن)، عندما سألته عن القضاء العادل، بأنه موجود في الكتب القانونية، ونادر الحضور في المحاكم بسبب السماسرة والوساطات المعززة بالرشاوي، مستشهدا بالأحكام الغريبة التي تم استصدارها في بعض القضايا التي عرفتها هذه المحكمة أو تلك. كما يستشهد جل من يتحدثون عن السماسرة بالمحاكم، بممتلكات هذا القاضي أو ذاك، إذ منهم من ما زال يسكن بيتا بسيطا ومنهم من يمتلك عمارات وشققا، ويبني فيلته بإحدى المدن المغربية، وآخرون يبنون عمارات هنا أو هناك، أو بممتلكات كاتب الضبط الفلاني، أو بالمحامي الفلاني وما حققه من ثروة في مدة وجيزة. إن القضاء، عالم ثابت ومتحول في الآن نفسه، تشقه تجارة مربحة، تلفها وتحميها السلطة التقديرية للقضاة.
محمد إبراهمي (جريدة الصباح )