أحداث سوس
عادَ جدل أسعار المحروقات إلى واجهة النقاش العمومي بعد الانخفاض الجزئي الذي شهدته بنهاية الأسبوع الحالي، حيث يتشبث الطرف الأول بضرورة العودة إلى دعم صندوق المقاصة لضبط الأسعار؛ بينما يتمسك الطرف الثاني بـ”واقعية” الأسعار الحالية بسبب صعوبة إرجاع الدعم الحكومي.
وفي هذا الصدد، قال الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز عضو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن “سعر الغازوال ينبغي ألا يتجاوز 7 دراهم، وسعر البنزين يجب أن يُباع بـ8 دراهم، بخلاف الأسعار المتداولة في السوق خلال الظرفية الحالية”.
وأضاف اليماني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “يجب العودة إلى الأسعار السابقة خلال 2011 بغض النظر عن التفاصيل المرتبطة بالتدبير الحكومي”، مبررا ذلك بكون “أسعار البرميل حاليا تشبه نظيرتها سنة 2011؛ لكن أسعار بيعها مختلفة في السوق”.
وأوضح الخبير عينه أن “الفرق الأساسي في الأسعار يتمثل في دعمها من طرف الدولة عبر صندوق المقاصة سنة 2011، حيث دعمت الدولة القطاع بأربعة دراهم للتر من الغازوال، وحددت كذلك هامش الربح بالنسبة للموزعين”، لافتا إلى أن “هامش الربح الحالي ارتفع بشكل كبير”.
وتابع بأن “اللتر الواحد من النفط الخام يُقدر بـ7 دراهم، بينما يُقدر اللتر الواحد من الغازول المصفى بـ12 درهما، مما يعني أن 5 دراهم من الربح تضيع في مضاربات التكرير”. وزاد: “كنا سنقتصد ذلك المبلغ لو قمنا بعملية التكرير، بالموازاة مع تنظيم الأسعار وتحديد هامش الربح”.
وفي مقابل تلك الأطروحة، تتحجج الحكومة الحالية، ومعها الحكومات السابقة، بصعوبة إرجاع الدعم المالي الموجه إلى سوق المحروقات بسبب غلاء تكلفته، حيث تتحدث الإحصائيات الرسمية عن توفير مبلغ 65 مليار درهم من تلك العملية؛ وهو ما أمكن استثماره في تشييد البنيات التحتية وتشجيع الاستثمارات الخاصة والعامة.
قوس عودة دعم المحروقات أغلقته الدولة بصفة نهائية، وهو ما جاء على لسان فوزي القجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، بتأكيده على أن “دعم المحروقات عبر صندوق المقاصة يتطلب تخصيص مبلغ مالي قدره 74 مليار درهم لتغطية نفقات المقاصة”.
تلك المعطيات الرسمية اعتبرها رشيد ساري، خبير اقتصادي، “مجانبة للصواب” ويشوبها “الغموض”، داعيا الحكومة إلى تقديم المعطيات الاقتصادية التي ارتكزت عليها للخبراء من أجل المقارنة، مشددا على أن “انخفاض الأسعار أمر متوقع بالنظر إلى الدورة التراجعية التي تعرفها الأسعار”.
وقال ساري، في حديث لهسبريس، إن “تحرير الأسعار قرار كارثي للدولة، بسبب السياسة الفاشلة لتخزين المحروقات”. وتوقف عند تلك النقطة بالقول: “لا نُحمل المسؤولية للحكومة وحدها؛ لكن الأمر يتعلق بغياب إستراتيجية الأمن الطاقي، ما يستدعي ضرورة مراقبة الأسعار من طرف الدولة”.
واعترف الخبير الاقتصادي بأن “دعم صندوق المقاصة كان يحافظ على الأسعار الموحدة، ويلعب دورا مهما في التوازنات المالية؛ غير أن المعضلة لا تكمن في الصندوق عينه، بل تتجسد في غياب المقايسة خلال العشرين سنة الأخيرة، حيث تتغير الأسعار من شهر إلى آخر في ظل ارتفاع أسعار البترول في العالم”.
وأردف المتحدث بأنه “كان من الأجدر على الدولة تخفيض العائدات الضريبية المتعلقة بالبترول لما يتجاوز البرميل الواحد سقفا معينا، لأن الدولة قد حققت أرباحا كبرى في تلك الفترة”، متسائلا عن أدوار مجلس المنافسة في ظل “الصمت” عن أرباح شركات المحروقات.
وفي السياق نفسه، أكد الحسين اليماني، خبير في مجال الطاقة، أن “هامش الربح بالنسبة للموزعين كان محددا من قبل الدولة؛ لكن يصل حاليا إلى درهمين بعد تحرير السوق”، لافتا إلى أنه “ينبغي الرجوع إلى تنظيم الأسعار لتحديد هامش الربح، وإرجاع الدعم”.
واقترح الخبير ذاته على الحكومة “إحداث صندوق وطني لضبط أسعار المحروقات، وبالتالي، لن تتدخل الدولة، ولا صندوق المقاصة في الأسعار، حيث سيتم تحديد سعر وطني للمحروقات طيلة السنة (10 دراهم مثلا)؛ فإذا انخفضت الأسعار عن المتفق عليه نراكم الأرباح في ذلك الصندوق، لكن إذا ارتفعت بخلاف المتفق عليه نقوم بتدعيمها من الأرباح المحققة في وقت سابق. وهكذا، لن تتدخل المالية العامة في هذا الموضوع”.
فيما أورد عمر الكتاني، خبير اقتصادي، أن “صندوق المقاصة كان يلعب دوره في ضبط الأسعار؛ لكن بإزالة الدعم الحكومة أصبحنا أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما اللجوء إلى المديونية لتعويض عجز الميزانية، أو تبني سياسة التقشف لتحقيق نتائج إيجابية”.
وأوضح الكتاني، في حديث لهسبريس، أن “الدولة سحبت الدعم المالي تفاديا لتقلبات أسعار السوق العالمية، بما يتماشى مع توصيات المؤسسات النقدية العالمية؛ غير أن التغيرات الدولية جعلتنا في ورطة مالية، بسبب الاعتماد على السوق الأجنبية”.