كشف تقرير برلماني جديد عن معطيات مهمة ترصد أعطاب واختلالات الإدارة العمومية في مقدمتها عرقلة الاستثمارات وما لذلك من انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني.
التقرير الذي أنجزته مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة التي شكلها مجلس النواب، كشف أن الإدارة العموميية تعاني من اختلالات لا سيما المتعلقة بالتأخر في معالجة مشاريع الاستثمار، وغياب التفاعل مع الاستفسارات والشكايات والمشاكل التي تعترض المستثمرين، فضلا عن تعقد المساطر الإدارية التي تشكل عائقا حقيقيا بحسب التقرير ذاته.
ومن بين الأعطاب التي رصدها التقرير نفسه، ضعف التأطير المؤسساتي لعملية الاستثمار وغياب قانون شامل له، وضعف إنتاجية المؤسسات والمقاولات العمومية وارتفاع مديونيتها، مما يؤثر سلبا على مردوديتها ومدى مساهمتها في النهوض بالاستثمار. واستشهد في هذا الصدد بتقرير لجنة النموذج التنموي الذي أشار إلى قلق الفاعلين الاقتصاديين إزاء العلاقة المتوترة التي تربطهم بالإدارة ونقص الشفافية في قواعد اللعبة الاقتصادية.
وبحسب المصدر ذاته، فقد اتسم نظام الوظيفة العمومية بالضعف في الاعتماد على مبادئ الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية، فضلا عن قصورها في الجانب المتعلق بمنظومة تنقيط الموظف، حيث إن عددا كبيرا منهم يعتبر الوظيفة العمومية وسيلة تضمن لهم أجرا قارا دون الأخذ بعين الاعتبار مردوديتهم وإنتاجيتهم، وغياب روح المسؤولية لدى الموظفين مما يؤثر سلبا على أداء الإدارة العمومية ويضعف العلاقة بين الإدارة والمواطن.
_إدارة بيروقراطية متمركزة تعرقل الاستثمار وتعاني من الفساد وتعقد الإجراءات والمساطر”
_جملة من الأعطاب البنيوية التي تعاني منها الإدارة المغربية، والتي تؤثر على جودة الخدمات المقدمة إلى المرتفقين، وعرقلة المشاريع الاستثمارية.
_ بالرغم من الإجراءات المتعددة والإصلاحات المتعاقبة التي همت الإدارة العمومية طيلة السنوات الماضية، إلا أن هذه الأخيرة عانت من العديد من الأعطاب البنيوية التي لم تستطع كافة الإجراءات والتدخلات التي تم اعتمادها التغلب عليها. وأشار التقرير إلى أن مختلف الخطب الملكية التي تناولت موضوع الإدارة، شكلت فرصة سانحة لتشخيص مختلف الأعطاب والاختلالات التي عانت منها الإدارة العمومية، حسب كل سياق على حدة، فضلا عن التقارير المؤسساتية الدولية والوطنية، التي حاولت طيلة هذه السنوات وضع أصبعها على مناطق الخلل والقصور التي عانت منها الإدارة العمومية في الفترة السابقة، قبل اعتماد الخطة الوطنية للإصلاح.
_من جملة الأعطاب التي رصدها التقرير، تمركز الإدارة العمومية المغربية، وأوضح في هذا الصدد أن موضوع اللاتمركز الإداري شغل حيزا مهما في العديد من التدخلات الإصلاحية السابقة، حيث دعت العديد من الخطب الملكية إلى ضرورة الاهتمام باللاتمركز الإداري في إطار المفهوم الجديد للسلطة، وتماشيا مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها بلادنا، وأيضا بالموازاة مع اعتماد مفهوم اللامركزية، وانخراط بلادنا في ورش الجهوية المتقدمة الذي يعتبر اللاتمركز الإداري آلية رئيسية وضرورية لإنجاح هذا المسار.
_أكد التقرير أن الإدارة العمومية أصبحت معرقلة للاستثمار ومفتقرة للإنتاج، حيث شكلت العديد من الخطب الملكية فرصة للتذكير بارتباط الإدارة بالاستثمار، وإبراز الاختلالات التي جعلت من ضعف الإدارة عائقا أمام الاستثمار، ثم البدائل والآليات التي قد تساهم في تجاوز الوضعية الراهنة. كم يعاني نظام الوظيفة العمومية، حسب التقرير، من عدة نقائص تزداد حجما وكلفة مع مرور الزمن، حيث اتسم هذا النظام بالضعف في الاعتماد على مبادئ الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية، مما يؤثر سلبا على أداء الإدارة العمومية، ويضعف العلاقة بين الإدارة والمواطن.
_تطرق التقرير إلى ارتفاع مؤشرات الفساد الإداري بالإدارات العمومية، مبرزا أن الإدارة المغربية تعاني من بعض مظاهر الفساد الإداري داخل عدد من هياكلها، وقد أثارت العديد من الخطب الملكية موضوع الفساد الإداري، وأشار التقرير إلى أن مظاهر الفساد التي تعاني منها الإدارة العمومية، بالإضافة إلى ضربها لمبادئ الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص، فإنها تحد من فعاليتها وإنتاجيتها، مما يؤثر سلبا على علاقتها بالمرتفق، وأصبحت تشكل عائقا أمام خدمة المواطنين وأمام الاستثمار والتنمية.
_تضخم القواعد القانونية وكثرة الإجراءات والمساطر الإدارية، وتجلي مظاهر التسيير الانفرادي داخل الإدارة العمومية، قد أفضى إلى خلق نمط إداري تطبعه الرتابة والبيروقراطية، وأدى هذا الأمر إلى خلق نوع من النفور لدى المواطنين والمستثمرين، الذين باتوا عرضة لتعطيل مصالحهم جراء الإفراط في التعقيدات الإدارية، الشيء الذي أثر على جودة الخدمات التي تقدمها الإدارة المغربية.
_إشكالية تعقيد المساطر الإدارية تعتبر من السمات البارزة التي تطبع علاقة الإدارة بمحيطها، مما أفضى إلى إضعاف الجهود الإصلاحية والتقليل من مفعولها، وأدى إلى ضعف مردودية الجهاز الإداري وارتفاع كلفة سير الإدارة، فضلا عن غياب تحفيز الاستثمار وانعدام الشفافية في التدبير الإداري، ثم بروز ممارسات سلبية كالرشوة واستغلال النفوذ.
_بنيات الاستقبال تشكل مؤشرا هاما لقياس مدى رضا المرتفقين عن الخدمات المقدمة من طرف الإدارة وجودتها، حيث عانت الإدارة العمومية من عدة مشاكل واختلالات مرتبطة بالاستقبال وبنياته، بدءا بضعف التواصل، مما يجعل المرتفق تائها بدون توجيه، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على طبيعة التواصل بين المرتفقين والإداريين، مما يؤدي إلى سوء التعامل مع المرتفقين وعدم فهم احتياجاتهم، مع غياب الشفافية والوضوح في الولوج إلى الخدمات العمومية.
ولتجاوز هذه الأعطاب والاختلالات، أوصت مجموعة العمل الموضوعاتية في تقريرها باعتماد هيكلة حكومية ثابتة متوافق بشأنها تستمر رغم تغير الحكومات، حتى يتوفر الاستقرار للهياكل الإدارية والاستمرارية في تتبع وتنفيذ البرامج والسياسات العمومية. وعلى مستوى تخليق الإدارة، أوصى التقرير بضرورة سن قانون متعلق بتضارب المصالح مع ربطه بالتصريح المسبق، بهدف وضع حد لحالات تضارب المصالح، سيما في الصفقات العمومية، على أن يحدد القانون مفهوم تضارب المصالح وسن عقوبات زجرية في حق المخالفين (الامتناع عن التصريح، والتصريح المتأخر عن موعد وضعه، والتصريح غير المكتمل أو الناقص، والتصريح غير المبرر، وعدم القدرة على تبرير الزيادات المرصودة في الثروة)، مع ضرورة تطوير المنظومة التشريعية لتدقيق مفهوم تضارب المصالح وتوحيده، واعتماده لتحديد ضوابط الوقاية والزجر الكفيلة بضبط سريان أحكامه على جميع المعنيين.
ودعت المجموعة الموضوعاتية إلى ضرورة اعتماد منظومة للتصريح بالممتلكات، مع قاعدة معطيات موحدة ومترابطة مع الإدارات الأخرى، مع اعتماد نظام للتحقق من صحة التصريحات، وضرورة إعمال الحق في الحصول على المعلومات عبر نشر كل المعلومات المتعلقة بقرارات التأديب، والتصرف في الملك الخاص للدولة، وتراخيص استغلال الملك الخاص بالدولة، ونظام معلومات الصفقات، والرواتب والأجور، وتمويل الأحزاب.