مازلت أتذكر : ميكا درهم…ميكا عشرة

مازلت أتذكر : ميكا درهم…ميكا عشرة

أحداث سوس23 أبريل 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات

المهدي احجيب

تحت لهيب شمس حارقة ؛ و في أكبر سوق تجاري في أفريقيا ؛ سوق الأحد بمدينة أكادير؛ ظل صاحب التسع سنوات؛ يتربص بمرتادي و زوار هذه المعلمة التجارية؛ مغاربة كانوا او أجانب.

يحمل في يده اليمنى قفة جلدية في داخلها كيلو غراما من الأكياس البلاستيكية ؛ يثقل في مشيته بثقل ما يحمله في يده ، ينادي و يكرر المناداة : “ميكا درهم … ميكا عشرة….” لكن لا أحد يلبي النداء ! حاول المهموم تغيير المكان و الاتجاه نحو رواق الخضر والفواكه بعد خيبة أمل تلقاها بجناح بيع اللحوم و الدجاج.

تنهد مرتين ؛ و رفع التحدي أن يبدأ يومه الأحد ببيع الأكياس البلاستيكية؛ كرر النداء : ميكا درهم….ميكا عشرة. … ؛ فإذا به يسمع صوتا خشنا ذكوريا ينادي عليه ؛ بدأت دقات قلب صاحب التسع سنوات تتزايد و ترتفع من شدة فرحه و سعادته؛ أخذ المسكين يبحث عن المنادي و ما وجده إلا في الشارع المخالف لأصحاب الخضر والفواكه .

رجل قدر عمره ب 45 سنة، يلبس كوستوما أزرق، أنيق بنظارة سوداء؛ اقترب منه الطفل طالبا منه نوع المساعدة؛ فرمى عليه الزبون كيسا بلاستيكيا أسود، مجبره على ملء القفة بخمس كيلوغرامات من البطاطس و البصل ؛ تحمل الصغير الطلب بكل فرح و ظن أنه وجد “الهمزة” و سيخرج بمدخول يعوضه عما فات .

انتهى المهموم من ملء القفة ؛ و ما لبث حتى أجبره صاحب النظارات من حمل القفة في اتجاه موقف السيارات أمام مدخل السوق؛ عانى الصغير في حملها ؛ فتناوب جسمه على تحملها؛ فمرة يضعها بين يديه ؛ و مرة يحملها فوق رأسه؛ و مرة يضعها فوق كتفيه؛ و هو على أمل و شغف من تحصيل المدخول بوفرة.

خرج المهموم من باب السوق ؛ مرفوقا بالغني في تصوره؛ و مازال الصغير يعاني في صمت ؛ بل زادت معاناته عندما فقد توازنه في ممر الراجلين أمام الباب؛ و نام هو و البصل على مستوى واحد فوق الممر ؛ معرقلا حركة سير السيارات من جهة ؛ و لتأخيره وقت الزبون من جهة ثانية.

وصل الصغير سيارة صاحب الكوستوم ؛ فوجدها ضخمة من نوع الدفع الرباعي؛ مرقمة بالعاصمة الرباط؛ فرح مرة أخرى المهموم ؛ و ما انتهت فرحته حتى رمى له الزبون
من نافذة السيارة درهمين، تنحى صاحب التسع سنوات ليأخذها فتفاجأ بقيمتها الباهتة ؛ فخيبت آماله و تأكد أن التمييز بين الفقير و الغني ليس بالملابس ؛ و انما بحسن النية و صفاء القلب. ؛ عاد الصغير إلى مصدر قوته ، و كرر سيناريو قصته؛ و بدأ مرة اخرى بالمناداة : ميكا درهم. … ميكا عشرة. ..

قصة واقعية عاشها محررها  (المهدي احجيب) ، في سنة 2009 ؛ و يتذكر أن هذه القصة طرأت و عيد الفطر المبارك على الأبواب ؛ فالفقر يجعلك حزينا كما يجعلك حكيما.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *