محمد آيت علو.
ما إن تخمد حادثة أوإساءة إلا ونفاجأ بأخرى في سلسلة متكررة لنمط متسق من حوادث الإساءة المتعمدة والممنهجة على سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، بدأت القصة بخروج مسؤول هندي في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند عبر تغريدة في حسابه على موقع تويتر تضمنت إساءة بالغة للمسلمين في أنحاء العالم، ومساسًا بمقدساتهم، وسخرية من نبيهم الكريم. ليس ذلك فحسب، بل إن المتحدثة باسم بهارتيا جاناتا خرجت في مناظرة تلفزيونية وأساءت في تصريحاتها للديانة الإسلامية ومعتقداتها، ولكنها سرعان ما قالت إنها لا تقصد الإساءة، وإن حديثها جاء ردًا على الإساءة لإله هندوسي، على أن الحادثة الأخيرة ليست صدمة للمسلمين في الهند؛ فمنذ وصول رئيس الوزراء الحالي إلى السلطة في عام 2014 تزايدت حوادث العنف والاضطهاد ضد المسلمين في بلد يدعي الديمقراطية والتعايش، حتى أن منظمات حقوقية دولية مثل هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية نددت بالغطاء السياسي الذي يوفره “مودي” للعنصرة ضد المسلمين الذين يشكلون ما نسبته 14% في بلد يصل تعداد سكانه إلى حوالي مليار وأربعمائة ألف نسمة. إن هذه الأحداث والإساءات من قيادات ذلك الحزب هي جزء من سياسات التحريض المستمرة على الإسلام والمسلمين التي يقوم بها الهندوس وحزبهم الحاكم الحاقد على الإسلام والمسلمين، فقد سبق تلك الوقاحات بحق المسلمين في الهند تحريض وتنكيل، وسبقها القتل وهدم المساجد ومحاربة شعائر دينهم، على الرغم مما تغص به تلك البلاد من الأديان، إن هذا التطاول على عقيدة المسلمين إنما هو حلقة من سلسلة مستمرة وواسعة وآخذة في التصاعد من العدوان على الإسلام وأهله؛ وهذا الانفلات من كل القيود الأخلاقية والضوابط الحضارية، يضطرنا إلى الوقوف عنده واغتنامه، ولربما لله حكمة في ذلك، فكثيرٌ من الناس في هذا العالم ولا سيما الشباب لايعرفون شمائله (صلى الله عليه وسلم)، وحتى إن عرفوا شيئا فهو من قبيل العموميات، هذا وإنَّ القول بعدم وجود مشكلة جوهرية وبنيوية بين الأديان، لا يعني عدم وجود تعقيدات وحوادث وأزمات طارئة في سيرورة العلاقات بين هذه الأطراف وفي الحياة الواقعية كأية ظواهر اجتماعية وسياسية تفرز تداعيات وردود أفعال مختلفة حتى بين معتنقي الدين الواحد والطائفة الواحدة، ويمكن استحضار نماذج من مثل هذه الصراعات ولاسيما ما يتعلق بطبيعة المعالجة – الشيء بالشيء يُذكر- نذكرُ الآن وقبل أعوام وبالضبط سنة2012 حينما دعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافة “الإيسيسكو” واتحاد جامعات العالم الإسلامي إلى محاربة حمالات التنصير في العالم الإسلامي والحملات المغلوطة عن الإسلام والمسيئة لصورته، وهي هجمات شرسة مضللة وداعية للتحريف والتي تروجها بعض مراكز البحث العلمي الجامعي في إفريقيا، مدعومة من جهات غربية معادية للإسلام والمسلمين، تستلزم تكوين الصحافيين على برنامج لمعالجة الصور النمطية وإيجاد صور بديلة، وأن المهمة كبيرة والمسؤولية جسيمة على الجميع في التعامل أو إدارة مثل هذه الأزمات بشكل سليم، ووضع الحلول الكفيلة بمعالجة أسبابها، لتفادي تكرارها، فكان وضع برنامج أعدته المنظمة ضمن برامج التكوين المستمر للإعلاميين المتدربين والممارسين في معاهد ومدارس تكوين الصحافيين وكليات الإعلام، لتصحيح المعلومات حول صورة الإسلام ومقدساته، كما استعظمت الإيسيسكو العلة فانكبت على مقاربتين متكاملتين، إحداهما في المجال الأكاديمي الجامعي، والثانية في المجال الاعلامي، لتجاوز الصور النمطية، ودعت إلى اجتماع الخبراء لمناقشة مشروع برنامج العمل الجامعي “تحديات الإساءة للإسلام والمسلمين” وتكثيف الجهود والتأكيد على أهمية تبادل الزيارات العلمية والثقافية والسياحية بين المنظمات الطلابية في جامعات العالم الاسلامي، والجامعات غير الاسلامية من أجل تعزيز الفهم والتفاهم، وتصحيح المعلومات، وكشف خلفيات وتداعيات الإساءة إلى الإسلام ومقدساته والمسلمين، ومثل هذه الصور والحالات من شأنها – كزخم فكري – إيجاد مقاربات ناجعة للتعامل مع مثل هذه الأزمات الراهنة، كما أنه أصبح يطرحُ على المسلمين تحديات كثيرة اليوم مما يستلزم واجب التعريف بنبيهم، فالمسلمون لديهم سؤال وواجبٌ عظيم الآن أكثر من أي وقت مضى، وقد آن الأوانُ لإزالة الأفكار الخاطئة، وذلك بالتعريف بالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ولاسيما أهل العلم والمعرفة والمنابر العلمية والإعلامية ليتعرفوا فيها شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم عنوان الرحمة عن كثب وأن نعرف العالم لمن جهله، نستطيع أن ننصر رسولنا (صلى الله عليه وسلم)، بأن ننشر سيرته بين الناس، وأن نوضح للعالم أجمع أخلاق نبينا محمد(صلى الله عليه وسلم)، وكيف أنّه كان يُلقب بالصادق الأمين، حتى في أيام جاهلية العرب، وأن نُزيل جميع التشويهات التي يتعمد الكثير من أصحاب النفوس الضعيفة إلصاقها بالنبي الكريم(صلى الله عليه وسلم)، وأن نستخدم الحكمة والموعظة الحسنة في نصرته(صلى الله عليه وسلم)، وأن نبتعد عن كل ما يسيء إلى صورة الإسلام السمحة، فالإسلام هو انعكاس لأخلاق المسلم، وامتداد لرسالة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، وكيفية نصرة النبي فهي على مستويات عدة، انطلاقا من الفرد ثم الأسرة فالمجتمع، وأيضا على مستوى الدعاة وطلبة العلم وعلى مستوى قطاع التعليم والعاملين فيه، فهناك العديد من الأمور التي تُوضّح دورنا جميعا في نصرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومنها العمل على توضيح ملامح دعوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؛ من خلال إبراز سماتها وأهم أهدافها ولا سيما عبر الترجمات؛ باعتبارها دعوة إلى كافّة الناس وذلك بإفراد الله – تعالى- بالعبودية، والعمل على تذكير الناس بأهمّ المواقف والأحداث من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ والاهتمام بتوضيح الصفات الخَلقية والخُلقية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، والإشارة إلى منزلته العظيمة، وما امتاز به وأمّته، مع الاهتمام بتوضيح كيفية تعامل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع أهله وجيرانه وأصحابه – رضوان الله عليهم-، والإشارة إلى أهمّ المواقف والأحداث التي جمَعته معهم، والاهتمام بتوضيح الوسائل التي اتّبعها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في التعامل مع أعداء الدين والإسلام من المشركين والمنافقين وغيرهم، والاهتمام بالآيات القرآنية التي يكون مدار حديثها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتخصيصها بالشرح والبيان، سواء قُرئت في الصلاة، أو في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، أو في مجالَي التعلّم والتعليم، وبنشر الفتاوى التي تُعنى ببيان حكم نِسبة شيءٍ من النقص لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)، ووجوب مواجهة من يحاول أو يفعل ذلك بالبُغض والبراءة منه، بذل الجهد في تمهيد طريق الهداية ودعوة الناس إليه على اختلاف أعراقهم وأنسابهم، وبذل الجهد في الدفاع عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بردّ الشبهات والأكاذيب التي تُحاك حوله وحول سنّته، والحرص على توضيح معالم الحياة اليومية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبيان أسلوبه وطريقته فيها، والإشارة إلى أنّ المحبة الحقيقية له تكمن في اتّباع أمره واجتناب نهيه، والمحافظة على الأسلوب البسيط والتبشير في حثّ الناس على التّمسك والالتزام بسنّة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبذل الجهد في تصحيح الأفكار الخاطئة التي تُنسب إليه ولسنّته الشريفة، وتدور في أذهان الناس، مع تشجيع الناس وحثّهم على الاهتمام بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقراءتها والحرص على المصادر الأصلية لها، والعمل على بيان حقّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وفضله العظيم على أمّته، ممّا يغرس محبّته في نفوس الطلبة والطالبات، وإقامة المحاضرات العديدة للحديث عن جوانب متعدّدةٍ من حياته(صلى الله عليه وسلم)، ممّا يُبرز معالم شخصيّته ويُوضّحها، وبذل الجهد في بيان أهمية احتواء مناهج التعليم على مادة السّيرة النبويّة، وتوفير الدعم المالي لدراسة السّيرة النبويّة في الجامعات والاهتمام بالسّيرة النبويّة من خلال الدعوة إلى البحث العلمي فيها، والعناية بكتب السنّة مع التشجيع على ترتيبها وفق أقسامٍ واضحةٍ متعدّدةٍ؛ كالمغازي والشمائل وغيرها، والإعداد للمخيّمات الشبابيّة التي يمكن من خلالها بثّ محبة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وسنّته في نفوس الشباب، و بإعداد دوراتٍ تدريبيّةٍ تُعنى بغرس الاقتداء برسول الله(صلى الله عليه وسلم)، مع السّعي لإعداد معارض تُعرِّف برسول الله (صلى الله عليه وسلم) على المستويَيْن؛ المدرسي والجامعي، والسّعي في تهيئة موسوعاتٍ أكاديميّةٍ غزيرةٍ بالسّيرة النبويّة، بحيث تصبح مراجع مُعتَمدة فيها، وبذل الجهد في ترجمتها إلى لغاتٍ عالميةٍ متعدّدةٍ، وحثّ الطلبة والطالبات على إعداد البحوث العلميّة في السّيرة النبويّة من خلال عقد مسابقاتٍ سنويّةٍ، وتوفير مكافآتٍ متنوّعةٍ لكتابة أفضل بحث، والحرص على اختيار أركانٍ خاصّةٍ وواضحةٍ في المكتبات، وتخصيصها باحتواء كلّ ما يتعلّق برسول الله(صلى الله عليه وسلم)؛ ككتب السيرة والسنة، وبإعطاء صورة مشرفة مشرقة ومتعالية، فهو(صلى الله عليه وسلم) رحمة مهداة للعالمين، ومحجة بيضاء، وسلوة الدنيا ومسيرتها بالحب والخير والسلام، فالعالم اليوم موضوع دعوة بالطريقة التي تؤدي الغاية، كفعل حضاري علمي وثقافي، وإقامة الندوات والكتابة إلى الآخرين، ومساعدتهم ولا سيما بالترجمات، فنحن مقصرون ندرك ذلك، ومن تم وجب أن نؤدي ما علينا. هذا وإننا نؤمن بأن مقام نبي الرحمة والإنسانية أعظم وأسمى من أن تنال منه هذه الهجمات التي يتعرض لها شخصه الكريم ومعه الدين الإسلامي الحنيف اليوم، ففي الأصل لاشيء يضيرهُ (صلى الله عليه وسلم) ولأن الله سبحانه وتعالى تولاه بالحفظ والصون، قال تعالى:”إنا كفيناك المستهزئين”. يبقى نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وسلم) هو السراج المنير والهادي البشير والقائد الذي بفكره وأخلاقه الربانية نستنير، بل إن الإسلام يعود أقوى وأكثر إشراقا وتأثيراً في نفوس الإنسانية بعد كل حملة تشن ضده، والإسلام الذي تولاهُ الله بالحفظ والصون، ينطلقُ مستمرا كالهواء والنسيم العليل ليسكن القلوب والأفئدة لأنه دين الفطرة السوية والنفوس الزكية. ويبقى علينا نحنُ – وعلى الدوام- أن نصون عهده (صلى الله عليه وسلم) بأن محبته فوق محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين. هذا والرسول(صلى الله عليه وسلم) سلوة الدنيا وبهجة الروح، ونور القلوب والأفئدة ودواؤها، وراحة وأمل، والحديث عنه(صلى الله عليه وسلم) حديث ذو شجون، حديث لايمل، والمحبون يستعذبون ويستمتعون بذكر اسمه وتبتهج الدنيا وتنبت من كل زوج بهيج، وتنطلق الألسنة بالصلاة عليه(صلى الله عليه وسلم). وها هي ذي الإشراقاتُ والأشرعةُ والمباهجُ لا محالة قادمة متوجة بالنصر، مباركَةٌ بعبق أنفاسه وأنواره وبركاته حيا وميتا(صلى الله عليه وسلم) ومتوهجة بيضاء ناصعة كالبدر بأنواره الشريفة(صلى الله عليه وسلم)، خضراء كالأمل منفرجة مبهجة باليقين التام، أشرعةٌ وإشراقاتٌ ومباهج تكتَنِفُني، وأنا لم أتزود بشيء، لكن على يقين تام برحمة الله، ومحبته، وشفاعة ومحبة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، الذي بشرنا بأن يحشر المرء مع من أحب، وكيف يُسْتَوْحَشُ مع الله سُبحَانَه…!؟ فالَّلهُمَّ ارزقنا محبتك يا رب، ومحبة رسولك، والَّلهُمَّ لاَتَجعلْ أُنْسَنَا إلاَّ بكَ، ولا حاجتنا إلاَّ إليك، ولارغبتنا إلا في ثوابك، ونسألك اللهم حسن الخاتمة….