التركيز الكبير للعمل الإحساني في جمع الأموال لبناء بيوت الله، رغم أنه يحظى بإشادة الكثيرين باعتباره من القيم الإسلامية النبيلة، إلا أن بعض المراقبين يسجلون بالمقابل نقصا حادا في مبادرات إحسانيةنحو مجالات أخرى مهمة كذلك،سواء فيما يتعلق ببناء مستشفيات أو طرق وقناطرأو حفر الآبار أو دور رعاية الأيتام وغيرها من القطاعات التي تفيد الناس في حياتهم اليومية..في غياب بوصلة حقيقية من قبل الدولة لإرشاد وتوجيه المحسنين.
لتسليط الضوء على هذا الموضوع، «أحداث سوس » تنشر رأي الأستاذ محمد شاكر الموذني، أستاذ التعليم العالي في الدراسات الإسلامية:
جمع الأموال لبناء المساجد فعلا موجود لأن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عاجزة عن تلبية حاجات الناس ببناء مساجد في الأحياء الجديدة. فالمدن الكبيرة وحتى الصغيرة تتنامى اليوم بشكل مستمر وحاجة الناس إلى الصلاة هي حاجة يومية، وبالتالي لا يمكن أن يقطن الإنسان في حي جديد ويقطع ثلاثة أو أربعة كيلومترات من أجل الصلاة، حيث يجتمع سكان الحي بحثا عن أرض لبناء مسجد من اجل الصلاة ويشرعون في جمع التبرعات ولما يعجزون يتصلون بالمحسنين ومن هنا بدأت فكرة جمع المال الإحساني المتعلق ببناء المساجد.
وأعتقد اليوم أن منسوب الوعي أضحى يرتفع في المجتمع تجاه الحاجات المجتمعية الأخرى، فهناك جمعيات قائمة بذاتها تخصصها هو العمل الإجتماعي والعمل التكافلي. لدينا جمعيات اليوم تهتم باليتامى، جمعيات تهتم بالأرامل، جمعيات تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، وأعتقد أن غياب مبادرات إحسانية تهم إنشاء مؤسسات للتعليم العمومي يعود الى وعي المجتمع بأن بنائها من مهام الدولة والدولة بميزانيتها ينبغي لها الإنخراط في بناء المؤسسات العمومية اللازمة، بما أن الناس يلتزمون بدفع الضرائب المفروضة، ولكن في المقابل التعليم العتيق الذي مازال يفتقد لعناية الدولة نجد أن هناك محسنون يصرفون على التعليم العتيق، اليوم أعداد المدارس العتيقة كبيرة جدا وكثيرة بالمغرب، وفي وقت معين كان يصرف على هذه المؤسسات من جيوب المحسنين، واليوم وزارة الأوقاف دخلت الخط من خلال توفير منح زهيدة لا تغطي حاجات هذه المؤسسات التعليمية، فمن ينفق على هذه المؤسسات؟ إنهم المحسنون.
اليوم الذي ينبغي أن نتعاون فيه والدفع فيه هو الدفع في نسبة الوعي لدى المواطن ولدى المحسنين بالأساس كي يفكروا في مشاريع أخرى تعود بالنفع على المجتمع في مجالات أخرى، أعطيك مثال الأطفال المشردين في الوقت الذي كان يفترض وجودهم في المدارس، طبعا هي مسؤولية الدولة، ولكن أنا أتكلم في الوقت الذي نجد فيه الدولة عاجزة عن تغطية جميع الاحتياجات. المطلوب اليوم من أهل الخير والإحسان التفكير في بناء مؤسسات لرعاية هذه الفئة وإدماجهم في التمدرس أو في مؤسسات للتكوين من أجل تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع اذا كانوا في سن متقدم، هناك أيضا فتيات قاصرات يتاجرن بعرضهن لأسباب اجتماعية، علما أن مكانهن الطبيعي هو المدرسة فلماذا لا يتم احتضانهن؟ الدولة أيضا مازالت عاجزة عن بناء مستشفيات، حيث تسجل وفيات في عدد من المناطق بسبب تفشي الأمراض و نقص المؤسسات الاستشفائية، نسجل بهذا الخصوص وجود جمعيات للتبرع بالدم تقوم بمبادرات جيدة تغطي الحاجة والخصاص الموجود في هذا الموضوع الى حد ما، ونحن بحاجة الى جمعيات مثيلة لها..والعمل لإحساني ينبغي الآن أن لايظل محصورا في بناء المساجد.
أما عن غياب أي تدخل للدولة في توجيه العمل الإحساني، فأولا هذه مسؤوليتها، فمن العبث أن تتوسط وتتدخل في توجيه العمل الإحساني، ولذلك فهي تتجنب إحراج نفسها، والمطلوب اليوم من الدولة تشجيع الجمعيات التي تود القيام بمبادرات إحسانية من هذا النوع
من قبيل بناء الطرقات والقناطر وخاصة في المجال القروي الى جانب المؤسسات الأخرى التي تستهدف المصلحة العامة، مع تقنين ومراقبة جمع الأموال.
بتصرف