تحفل مدينة الداخلة والأقاليم الجنوبية عموما، على غرار باقي جهات المملكة، بمنتوجات مجالية فريدة وعادات غذائية متميزة وأطباق متنوعة تؤثث موائدها المحلية، وتعكس غنى وتنوع موروثها السوسيو-ثقافي، الذي تحرص الأجيال المتعاقبة على الحفاظ عليه وتثمينه على نحو أفضل.
ويعد الكسكس الخماسي أحد أهم المنتوجات المجالية التي أبدعتها أنامل نساء التعاونيات بالأقاليم الجنوبية، مساهمة منها في إبراز عراقة وتجذر المقومات الحضارية للمنطقة وارتباطها القوي بباقي جهات المملكة.
كما يعتبر الكسكس الخماسي أحد المكونات التي تعكس خصوصية وتفرد وتنوع المائدة المحلية بالأقاليم الجنوبية، إلى جانب “الشاي الصحراوي” وأطباق تقليدية أخرى مثل “زريك اللبن”، وطاجين “لحم الفلكَة” (الإبل) أو “لحم أفشاي” (الغنم)، وطبق “لكلو”، وطبق “مارو باللحم” وغيرها.
وبخلاف الكسكس الذي تعده النساء في شمال المغرب والذي يعتمد على نوع واحد من الدقيق، يتم إعداد الكسكس الخماسي في جنوب البلاد من خلال الجمع بين أنواع متعددة من الحبوب، تتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة أو حتى ستة أنواع مختلفة وببراعة تتوارثها نساء المنطقة عبر الأجيال.
وترتكز طريقة إنتاج الكسكس الخماسي على مزج كل هذه الأصناف من دقيق الحبوب بالقليل من الماء وتحويلها إلى حبات صغيرة الحجم قبل أن تطهى بشكل تقليدي لنحو 20 دقيقة على البخار، يتم بعدها تجفيف حبات الكسكس من خلال نشرها على ثوب نظيف. مع الإشارة إلى أن عملية التجفيف، التي كانت تتم سابقا بشكل تقليدي وتتطلب الكثير من الجهد والوقت، أصبحت تدار اليوم بطريقة عصرية عبر أفرنة ضخمة أو مجففات هوائية.
وخلال السنوات الأخيرة، شهد تحضير الكسكس الخماسي وتسويقه تحولا كبيرا، بعدما انتقل من مجرد منتوج تقليدي محلي تتوارثه نساء المنطقة إلى منتوج مصنع في إطار تعاونيات تساعد النساء على إعالة أسرهن وتحقيق استقلاليتهن المادية ومحاربة الهشاشة الاجتماعية.
ووفقا لمديرة التعاونية النسوية لإنتاج وتسويق الكسكس الخماسي بجهة الداخلة – وادي الذهب، فاطمة الغالية الشرادي، فإن ثلة من نساء المنطقة اخترن العمل على منتوج مجالي أصيل هو الكسكس الخماسي، الذي يمتاز بخلوه من أية مادة حافظة أو ملونة أو صناعية، كما أنه غير مضر بالصحة بالنظر إلى توفره على “دقيق الزرع بنوعيه العادي والمقلي”.
وأوضحت السيدة الشرادي، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن عملية صنع خليط منسجم للكسكس الخماسي تتم تبعا للنصائح والإرشادات التي وفرتها ثلة من الخبراء المتخصصين في مجال التغذية، والتي تحرص على احترام مقادير معينة وكميات محددة (بنسب مئوية دقيقة) لكل نوع من أنواع الحبوب المستعمل في هذا المنتوج المجالي.
وفي هذا الإطار، تضيف السيدة الشرادي، يتكون الكسكس المحلي الذي تنتجه التعاونية على خمسة أنواع من الحبوب، هي القمح اللين (بنسبة 50 في المئة)، والقمح الصلب (15-10 في المئة)، ودقيق الشعير (15-10 في المئة)، والشعير المحمص (10-6 في المئة)، والذرة المحمصة (3-2 في المئة).
وأشارت إلى أن مجالات استعمال الكسكس الخماسي المحلي لا تختلف عن نظيراتها في الكسكس العادي، إذ يتم تحضيره باللحم والخضر والمرق، أو بإضافة الزبيب والبصل معسل (التفاية)، أو على شكل “سفة” بزيت الزيتون أو زيت أركان والعسل وأملو، كما قد يختار البعض تناوله بإضافة اللبن أو الحليب (صيكوك).
ولفتت مديرة التعاونية إلى أنه يتم، على مستوى التعاونية، خلط الكسكس العادي مع “الفوة” و “ورق الطلح” و “التقية”، ويسمى محليا “كسكس متقيي”. ويتم اللجوء إلى هذا النوع من الكسكس المنسم بالأعشاب لعلاج كل من يعاني من آلام في الأمعاء أو المعدة.
وذكرت بأن التعاونية النسوية لإنتاج وتسويق الكسكس الخماسي تأسست في سنة 2012 من طرف مجموعة من النساء اللائي انبثقن من الجمعية النسائية للتنمية المستدامة بجهة الداخلة – وادي الذهب، وكلهن طموح وسعي نحو تحسين دخلهن اليومي ومساعدة أسرهن وتأمين مدخول قار يضمن لهن حياة كريمة.
وأشارت إلى أن التعاونية استفادت من دعم مديرية الفلاحة، من حيث بناء ورش خاص واقتناء سيارة وتوفير المواد الأولية والآليات اللازمة للاشتغال، كما تمت المواكبة التقنية للمنتسبات للتعاونية بواسطة خبراء للتغذية حول الطريقة التي ينبغي الاشتغال من خلالها، لاسيما عملية التنسيق بين أنواع الدقيق.
وتابعت أن نساء التعاونية يحرصن، خلال مختلف مراحل تحضير الكسكس الخماسي، على الالتزام التام بكل النصائح العلمية والتقنية التي تضمن سلامة هذا المنتوج المجالي، الذي يخضع لمراقبة الجودة ومطابقة معايير السلامة الغذائية المعمول بها في باقي أرجاء التراب الوطني.
ويحظى الكسكس الخماسي بإقبال كبير في الأقاليم الجنوبية بفضل جودته العالية وقيمة المكونات الغذائية التي يتوفر عليها، مما جعل هذا الإشعاع يمتد إلى مناطق أخرى من المملكة حيث يكثر الطلب عليه من مختلف المحلات والفضاءات التجارية الكبرى بمدن شمال المغرب، وكذا من طرف المطاعم والمؤسسات الفندقية والسياحية، بعدما أضحى من أهم الأطباق المقدمة لجذب السياح المغاربة والأجانب على حد سواء.