بقلم توفيق ناديري.
على الرغم من البيانات والتصريحات الرسمية النافية والخطوات القانونية الصارمة التي باشرها المغرب، على خلفية اتهامه في ملف برنامج التجسس الإسرائيلي، تواصل العديد من وسائل الإعلام حملتها في فبركة السيناريوهات ومحاولة خلط الأوراق من جديد، بإعادة الأمور لنقطة الصفر، عبر إدعاءات متجددة، دون منح أي مساحة للجوانب المهنية والقانونية، لتكون الفيصل المستند عليه في أي ادعاء أو اتهام، لأسباب وخلفيات متعددة، ولأهداف يمكن تلمسها عبر عملية استرجاع حيثيات قضايا تجسس معروضة على القضاء المغربي، وعبر استحضار السياقات الإقليمية والدولية الراهنة.
ويمكن القول بكثير من الثقة إن الحرب الإعلامية التي تشن على المغرب، سيما في فرنسا، لا يمكن عزلها عن الأزمة المغربية الأوربية التي تغذيها أصوات يمينية التي لا تنظر بعين الرضا للمغرب كشريك حقيقي وقوة إقليمية صاعدة أسست لنفسها خطابا يقوم على الاستقلالية في القرارات والمصالح، كما لا يمكن فصل هذه الحرب بشكل بديهي،عن قلق بعض الجهات داخل فرنسا، من التحول الذي يعرف المغرب على المستوى الاقتصادي والسياسي والحقوقي، ما يشكل تهديدا مستقبليا لمصالح تلك الجهات.
وإذا استحضرنا الآثار السياسية العميقة للأزمة مع بعض دول الاتحاد الأوربي،سيما في ملف العلاقات الإسبانية المغربية،واستحضرنا كذلك، دور بعض وسائل الإعلام الفرنسية في تغذية هذا الصراع الاستراتيجي، يمكن فهم بطريقة آلية الفلسفة التي تؤطر عملية إنتاج الخطاب داخل تلك الوسائل كلما طرح ملف المغرب بشكل أو بآخر على طاولة التناول الإعلامي الفج أحيانا، بحكم أن بعض وسائل الإعلام محكومة بالمصالح وغير مقيدة بشروط العمل المهني الصرف المحايد والمؤطر بالمصداقية والدقة والموضوعية.
هذا الخطاب الإعلامي الفج والعقيم والمفتقد للمهنية، لا يمكن عزله، باستحضار المستجدات السياسية المحلية والدولية، عن الهجمة الإعلامية الجزائرية القوية التي واكبت اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على أراضيه الصحراوية وحسم المغرب في قضية الكركارات، وهذا ما تعززه محاولة إقحام المغرب في ملف نظام تجسس إسرائيلي بشكل يعكس، أن هذه الحرب هي حرب تتقاطع فيها المصالح وتتعدد فيها الوسائل.
وفي صلب هذا الخطاب الموجه،كان لافتا للمحللين، أنه تم التركيز بشكل مقصود على الأجهزة الاستخباراتية المغربية، في محاولة لإضعافها والمس بصورتها داخليا وخارجيا بشكل عبثي، وعيا من تلك الجهات أن قوة المغرب في تماسك مؤسساته ومرجعتيها الوطنية، كما أن استقرار المنطقة وأوربا بشكل خاص رهين بقوة تلك المؤسسات وصلابة وسائل اشتغالها واستراتيجيتها الدولية التشاركية، وهو انتبه إليه مسؤولون استخباراتيون فرنسيون وإسبان، وخصصوا حيزا مهما للحديث عن قوة تلك المؤسسات ودورها الإقليمي والدولي.
وعلى هذا الأساس، كان طبيعيا ومنتظرا أن تخوض بعض وسائل الإعلام الفرنسية المحكومة بسياسيات وخطابات بعض الأطراف اليمينية وبعض لوبيات المصالح المرتبطة بشكل أقوى بالجزائر، في حرب إعلامية شرسة، تحاول أن تنال من المغرب ومؤسساته الوطنية، إلا أن تلك الحرب محكوم عليه بالفشل بالنظر لالتفاف المغاربة حول بلدهم ومؤسساته المواطنة.
وإذا كانت الخلفيات السياسية التي حكمت ذلك الخطاب التضليلي التحريضي مفهومة ومبررة أحيانا على المستوى الخارجي لارتباط عملية صنع الخطاب بتسويغ المصالح ، فإن خطاب التشفي الذي رافق انطلاق النقاش حول ملف التجسس على المستوى الداخلي، لم يكن مستساغا وتم الرد عليه بعدما حاول البعض تبرير الهجوم على المؤسسات المغربية وإرباك عملية التعاطي مع ملف التجسس، عبر إقحام قضايا معروضة على القضاء المغربي، لا علاقة لها بملف التجسس،على الرغم من أن أهم الهيآت الحقوقية والجمعوية والنقابية ذات العلاقة بالمجال الإعلامي عبرت عن امتعاضها من الحرب الإعلامية القوية الموجهة ضد المغرب ومؤسساته.
وإذا كان المغرب قد واجه تلك الحملات المغرضة رسميا بإجراءات قانونية استعجالية، إلا أن استمرار بعض وسائل الإعلام الفرنسية في حربها الإعلامية ضد المغرب عبر اجترار تحقيقات وهمية لمنظمات حقوقية نصبت نفسها خصما للمغرب دون أدنى مسوغ قانوني أو حقوقي، يفرض على الجميع أن يبقى متيقظا داخليا وخارجيا لما يحاك ضد المغرب واستقراره وصورة وصلابة مؤسساته، وعيا منا أن المغرب جزء لا يتجزأ، ولا ينبغي أن يكون إلا موحدا ضد أعدائه ومستعدا لأي مواجهة، بصرف النظر عن جهتها وخلفياتها، فلا مزايدة على الوطن ولا مقايضة حول استقراره، فإما تكون مغربيا أو تكون غير ذلك، تلك المعادلة الصعبة التي يجب الحسم فيها بالنسبة للبعض،فلا منزلة بين المنزلتين إذا تعلق الأمر بالوطن