إن رأس الطفل الرضيع قابل لأن يتخذ أي شكل أو قالب بعد ولادته بسهولة شديدة. ويولد الكثير من الأطفال برؤوس ثقيلة وكبيرة إلى حد ما بحيث تبدو غير متناسبة مع باقي أعضاء الجسم. وأحياناً، يتخذ رأس الرضيع شكلاً غير مستو خلال الولادة في أثناء خروجه من قناة الولادة. وفي حالات أخرى، يتغير شكل رأس الرضيع بعد الولادة نتيجة ضغط ظهر رأسه عند نومه. وبالرغم من أن شكل رأس الرضيع يأخذ عادةً شكله الطبيعي لوحده تدريجياً، فإنه يمكن لكل أم أن تقوم ببعض الخطوات الحائلة دون ظهور بقع مستوية على سطح رأس رضيعها أو ما يُصطلح عليه علمياً “التسطح الموضعي”، ولتفادي بروز أي عيب شكلي.
لا شك أن كل امرأة حديثة العهد بالأمومة تُلاحظ وجود منطقتين فوق رأس الرضيع في منتهى النعومة والليونة، وهاتان المنطقتان تمثلان البقعتين اللتين لم يكتمل فيهما نمو جمجمة الرأس والتحام أجزائها.
ويصطلح على هذه البقع بـ”اليوافيخ”، ومفردها “يافوخ”، وهي تسمح لرأس الرضيع الذي يكون كبيراً نسبياً بالتحرك عبر قناة الولادة الضيقة. كما أنها تأوي دماغ المولود سريع النمو خلال فترة الرضاعة. لكن ونظراً لأن جمجمة الرضيع تكون قابلةً للتشكل، فإن النزوع إلى إلقاء الرضيع دوماً على ظهره وفي نفس الوضعية قد ينتج عن عدم استواء جوانب رأس الرضيع، حتى بعد أن يزول عدم الاستواء الذي قد يحدث خلال خروج الجنين من قناة الولادة. وتُعرف هذه الحالة في الأوساط العلمية بـ”التسطح الموضعي” أو ما يُقابله بالإنجليزية “positional plagiocephaly”.
وتظهر هذه الحالة أكثر عند النظر إلى رأس الرضيع من أعلى. فمن زاوية النظر هذه، يبدو ظهر رأس الرضيع أكثر تسطحاً في أحد جوانبه. وقد يبدو عظم الوجنتين على الجزء المسطح بارزاً، كما قد تبدو الأذن على الجزء المسطح نفسه ناتئةً ومندفعةً إلى الأمام.
تدابير عملية
إن أكثر المواليد الذين تظهر عليهم حالات التسطح الموضعي على مستوى الرأس هم الذين يقضون فترات أطول مستلقين على ظهورهم في المهود أو الأسرة أو مقاعد السيارات الخاصة بهم. وعلى الرغم من أن التسطح الموضعي يزول لوحده مع نمو الرضيع وتحكمه أكثر في حركة رأسه وعنقه، فإنه يمكن للأم أو المربية أن تقوم ببعض الخطوات والتدابير ليكون رأس رضيعها متناسب الأبعاد وذا شكل طبيعي. وينصح أطباء الأطفال كل أم مخاطبين إياها بالقيام بالآتي:
◆ غيري الاتجاه. استمري في وضع رضيعك على ظهره للنوم، لكن بدلي الاتجاه الذي يواجهه رأس الرضيع عند وضعه في المهد، أو ضعي رأسه في أعلى المهد يوماً، وفي أسفل المهد في اليوم الذي يليه، وهكذا. ويمكنك أيضاً حمل رضيعك بتبديل الذراع الذي تُسندينه عليه عند كل رضعة أو إطعام، ولا تقلقي إنْ عاد رضيعك إلى وضع رأسه الأصلي خلال نومه، وكل ما عليك القيام به هو تعديل وضع رأسه في المرة التالية.
◆ احملي رضيعك. فحمله خلال استيقاظه وصحوه يُساعد على تخفيف الضغط على رأس رضيعك الذي يخضع له خلال استلقائه على الأرجوحة أو المهد أو الكرسي الهزاز الخاص به.
◆ جربي إلقاءه على بطنه. حاولي وضع رضيعك على بطنه للعب، لكن شرط أن تراقبيه عن كثب بحيث لا تغيب عيناك عنه. وتأكدي من أن السطح الذي يلعب عليه ثابت. وإذا اضطررت للخروج من الغرفة التي يوجد فيها في لحظة ما، فاحمليه معك.
◆ كوني مبدعةً ومبتكرةً. ضعي رضيعك بحيث يمكنه أن يستدير بعيداً عن الجزء المسطح من الرأس للنظر إليك وتتبع حركاتك وصوتك داخل الغرفة. حركي المهد ما بين الفينة والأخرى لمنح رضيعك موقعاً استراتيجياً جديداً. ولا تضعي أبداً رأسه على وسادة أو أي نوع من أنواع المخدات أو الشراشف الناعمة.
دور الخوذة
إن تنويع وضعيات استلقاء رأس الطفل كافية لمنع ظهور تسطح موضعي، أو لعلاج البقع المسطحة على رأسه. وإذا لم يبدأ التسطح بالتلاشي والزوال مع بلوغ الرضيع أربعة أشهر، يمكنك اللجوء إلى طبيب أطفال متخصص من أجل توصيف خوذة خاصة لمعالجة التسطح ومساعدة رأس الرضيع على أخذ شكله الطبيعي. وتعمل هذه الخوذة عبر الضغط برفق لكن بانتظام لإعادة توجيه نمو الجمجمة.
وتكون الخوذات المزيلة للتسطح فعالةً عندما البدء في استخدامها كوسائل علاجية مع بلوغ الرضيع ما بين أربعة إلى ستة أشهر، أي حين تكون الجمجمة لاتزال قابلةً للتشكل والتقولب في الوقت الذي ينمو فيه الدماغ بوتيرة سريعة. ولضمان فعالية هذه الخوذة، ينبغي إلباسها للرضيع 23 ساعة كل يوم طوال فترة العلاج، والتي تكون في الغالب بضع أشهر. ويجب الحرص على تعديل الخوذة بشكل منتظم، وأحياناً أسبوعياً، وذلك تماشياً مع نمو رأس الرضيع وتغير شكله. ولا يكون علاج التسطح الموضعي لرأس الرضيع فعالاً بعد تجاوزه سنةً واحدةً، وذلك نظراً لأن عظام جمجمته تكون قد قطعت شوطاً طويلاً في الالتحام والالتئام مع بعضها.
ويجدُر التذكير بأن التسطح الموضعي يُعد قضيةً تجميليةً صرفةً. فالبقع المسطحة الناتجة عن ضغط ظهر الرأس لا تُسبب أي تلف في الدماغ، ولا تؤثر بأي شكل على نمو الطفل الرضيع وتطور وظائفه.
غير أنه وفي بعض الأحيان، يكون للأمر علاقة بمشكلة عضلية ما. فانفتال العنق مثلاً يجعل الرضيع يحمل رأسه مائلاً باتجاه معين. وفي هذه الحالة، يمكن الاستعانة بالعلاج الطبيعي من أجل تمديد العضلات المتأثرة والسماح للرضيع بتغيير أوضاع رأسه بحرية.
ونادراً ما تلتحم الصفائح العظمية لرأس الرضيع وتنغلق في وقت مبكر أو قبل الأوان. وإنْ حدث ذلك، فإن صلابة الجمجمة تدفع باقي أجزاء الرأس لتتخذ شكلاً ما توازياً مع اتساع الدماغ. ويُطلَق على هذه الحالة متلازمة صغر الوجه النصفي (craniosynostosis)، وهي حالة تُعالَج خلال فترة الرضاعة، حيث يتم فصل عظام الجمجمة الملتحمة لمنح دماغ الرضيع مساحةً أكبر للنمو والتطور.
وإذا قضيت الكثير من الوقت قلقةً بشأن شكل رأس رضيعك، فقد تُفوتين على نفسك الاستمتاع بلحظات المرح الذهبية غير المتكررة التي يخلقها كل رضيع في تدرج تفاعله مع أبويه. والحال أنه في خضم أشهر معدودة يُحكم الرضيع سيطرته أكثر على ثبات رأسه وعنقه، ويكتسب قدرةً أكبر على تحريكهما بحرية، فيُتيح له ذلك تخفيف الضغط على ظهر رأسه من خلال توزيع هذا الضغط على أجزاء متفرقة من رأسه بشكل متوازن ومستو. وإلى ذلك الحين، ما على الأم أو المربية إلا أن تغير وضعيات استلقاء الرضيع بشكل سليم وعملي ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وفي حال واصل القلق مساورتها بشأن شكل رأس رضيعها، فما عليها إلا التوجه إلى طبيب متخصص حتى يطمئن قلبها أو تتخذ اللازم من التدابير العلاجية، إذا استدعت الضرورة ذلك.