رهانات السينما المغربية و آفاقها –   الأسئلة الحارقة و أولها كيف و إلى أين ؟

رهانات السينما المغربية و آفاقها –  الأسئلة الحارقة و أولها كيف و إلى أين ؟

azmmza1311 أبريل 2018آخر تحديث : منذ 7 سنوات

بقلم – ياسين أحجام ( 3)
 
 
لقد احتفلنا سنة 2007 بخمسينية السينما المغربية خلال المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وتوسمنا أن ننتقل إلى مرحلة جديدة نراهن من خلالها على الكيف بعد أن نجحنا نسبيا في تحقيق رهان الكم  ووصلنا إلى معدل إنتاجي لما يعادل خمسة عشر فيلما في السنة .
 
والآن و نحن في سنة 2018 ، يحق لنا أن نسائل واقع السينما المغربية ، هل استطعنا تحقيق رهان الجودة الفنية وإنتاج أعمال رفيعة تتوج في كبريات المهرجانات السينمائية؟ أم أصبحت لدينا صناعة سينمائية تساهم في الناتج الوطني الخام وتحرك عجلة اقتصاد البلد؟  ثم هل استطعنا أن ننتج أفلاما تساهم في صناعة الوعي الجمعي والتأثير فيه ؟
 
عندما نتأمل واقع السينما المغربية نجد بأننا رصدنا الكثير من المبالغ المالية من أجل دعم وتشجيع الإنتاج السينمائي، لكننا لم نحقق رهان الجودة الفنية، مقارنة بدول لا تخصص لدعم الإبداع السينمائي حتى ربع ما نخصصه نحن ، فأفلامنا لم تستطع أن تقبل حتى من أجل المشاركة في المسابقة الرسمية لكبريات المهرجانات السينمائية ككان وبرلين، أما أن تتوج فهذا الأمر يبدو بعيد المنال ،  حتى أن دولا حديثة العهد بالإبداع السينمائي استطاعت أن تجد لها موطئ قدم داخل الساحة السينمائية العالمية، وكمثال على ذلك شريط “تمبوكتو” لعبد الرحمان سيساكو الذي استطاع أن يمثل السينما الموريطانية خير تمثيل في مهرجان “كان” ،  بالمقابل، فنحن لم نستطع أن نربح رهان الصناعة السينمائية لأن أعمالنا السينمائية لا تستطيع أن تحقق حتى مائتي ألف مشاهدة مع بعض الاستثناءات القليلة التي تعد على رؤوس الأصابع ، بمعنى، أننا ندعم أفلاما لا يشاهدها إلا القليل من الجمهور، كما أن تلك الأفلام لم تستطع أن تخلق لنا سوقا سينمائية تشغل يدا عاملة وتساهم في الناتج الوطني الخام كما في بعض البلدان المجاورة ، ( مصر على سبيل المثال)، وأكيد، ستظل هذه الحالة في القادم من السنوات مادام الدعم السينمائي يكرس نوعا من الريع عوض أن يرتبط بنظام الشباك أو أن يتحول إلى صيغة دعم جديدة تقوم أساسا على الجودة الفنية  ، أما عندما نتأمل المواضيع التي تتطرق إليها تلك الأفلام وطريقة المعالجة فنلمس الكثير من الاستسهال والسطحية، والرغبة في خلق إثارة مجانية تغطي على الضعف الفني وفقر المخيلة ، فكيف سنساهم بالتأثير في الوعي الجمعي من خلال أفلام تقوم أساسا على استغباء المشاهد؟
 
أين يكمن الخلل إذن؟ هل هناك فقر في الإبداع ؟ أم أن الأمر متعلق بغياب تكوين جيد في الميدان السينمائي؟ أم أن الخلل يوجد أساسا في بنية المجتمع المغربي الذي لا زالت الفرجة السينمائية لم تشكل حاجة جمالية تستدعي الإشباع ؟
 
ينبه العديد من المهنيين إلى أن المشكل مرتبط بالقرصنة، و إلى غياب قاعات العرض السينمائية ، و هذا صحيح، فهناك تناقص مهول في عدد القاعات السينمائية بالمغرب، رغم أن الأمر مرتبط بقوانين العرض والطلب ، فعندما لا نؤسس لصناعة سينمائية محلية قوية فإننا لا يمكننا أن نخلق سوقا سينمائية ، وبالتالي فإن قاعات العرض السينمائي ستتوقف عن الاشتغال ، علما أن مشكل القرصنة هو ظاهرة عالمية، من الصعب القضاء عليها بالقوانين الزجرية فقط، بل يلزمنا أن نخلق بديلا اقتصاديا قويا لنموذج جديد ينهض بصناعة سينمائية جماهيرية تساهم في ترسيخ ثقافة الفرجة السينمائية داخل قاعات السينما بشروطها اللائقة و بقربها من الأحياء و المدن الصغيرة و القرى و المداشر ، باعتبارها طقسا حضاريا يعبر عن نوع من التمايز الاجتماعي ،  كما يلزم لوسائل الإعلام أن تنخرط في حملات تحسيسية تبرز من خلالها جمالية الفرجة السينمائية داخل القاعات المخصصة للعرض السينمائي ،  ويلزمها أيضا أن تنخرط في تقديم دعم إشهاري للأعمال المغربية المتميزة، خصوصا أن هناك إقبالا كبيرا على المنتوج الوطني السينمائي المغربي ، يوازيه بالمقابل تناقص في إقبال المغاربة على مشاهدة السينما داخل قاعات العرض المخصصة للمشاهدة الاحترافية و السليمة.
إننا عندما نعاين الإحصائيات الخاصة بعدد المشاهدات داخل القاعات السينمائية المغربية نجد بأن الأعمال المغربية تتصدر القائمة مقارنة مع عدد الأفلام المعروضة ،  فإذا كانت مشاهدة الأفلام المغربية تحتل القائمة الثانية بعد الأفلام الأمريكية فالسبب يعود بالدرجة الأولى إلى أن عدد الأفلام الأمريكية المعروضة يفوق بكثير عدد الأفلام المغربية.فمثلا، تم عرض 118 فيلما أمريكيا سنة 2014 وحقق نسب مشاهدة وصلت إلى 648588 بحصة 40 في المائة من السوق المغربية. بالمقابل فإن عدد الأفلام المغربية التي عرضت في نفس السنة لم تتجاوز 45 فيلما وحققت نسبة 479548 مشاهدة بحصة 29 في المائة من السوق المغربية ،  مما يدل على تعطش الجمهور المغربي للأفلام المغربية، ومدى إقباله على المنتوج المغربي المحلي إذا ما توفرت فيه شروط الصناعة السينمائية بالدرجة الأولى، والجودة الفنية بالدرجة الثانية ، ولا أدل على ذلك أن فيلم الطريق إلى كابول تعدت عدد مشاهداته 600000 محققا إنجازا استثنائيا رغم هشاشة البنية التحتية التي تحترم شروط العرض السينمائي .
 
وإذا عدنا إلى ترتيب الأفلام التي حصلت على أكثر نسبة مشاهدة خلال سنة 2014 فسنجد بأن الأفلام المغربية احتلت الصدارة حيث حقق فيلم الأبواب المغلقة 98145 مشاهدة ،يليه فيلم الطريق إلى كابول ب 92911 مشاهدة رغم دخوله عامه الثالث، ثم شريط سارة ب 53529 مشاهدة، متصدرة القائمة أمام الأفلام الأمريكية والفرنسية، والمصرية والهندية ، أما في سنة 2013 فإننا نجد خمسة أفلام مغربية تصدرت القائمة حيث تربع فيلم الزيرو على القائمة بنسبة 140993 مشاهدة.
إن هذه الأرقام تبرز بأن الجودة الفنية بإمكانها التغلب نسبيا على عائق القرصنة إذا ما تمت مواكبة ذلك بالإجراءات التنظيمية التي تحمي الإبداع المغربي من الاستغلال غير القانوني، وإلا فكيف نفسر أن فيلم ” الطريق إلى كابول”  قد حصد نسب متابعة عالية بصالات العرض ، رغم تواجده في أسواق بيع الأقراص المقرصنة منذ العام الأول لتوزيعه .
 
و عطفا على ما سبق يمكننا القول أنه بإمكاننا إنتاج أعمالل جماهيرية تتوفر فيها مقومات الصناعة السينمائية و تجعل المتفرج يقبل عليها لأنه سيتحصل من خلالها على لذة جمالية لن توفرها له فرجة فيلم سينمائي مقرصن، خصوصا إذا توفرت إرادة حقيقية من أجل النهوض بالقاعات السينمائية، عبر تشجيع الخواص على إنشاء مركبات سينمائية على غرار ميكاراما تتوفر فيها المرافق الترفيهية الموازية، وتتيح للمشاهد الاختيار بين أكثر من فيلم، هكذا، يمكنه أن يجعل من المشاهدة السينمائية طقسا أسبوعيا مكرسا.
أما في المدن الصغرى فنحن نقترح أن يتكلف المركز السينمائي ببناء قاعات سينمائية  يتوفر بها مقهى ومطعم على غرار قاعة الفن السابع بالرباط، ويمكنه أن يعرضها على الخواص عن طريق طلبات للعروض ودفتر تحملات .
إن الاستراتيجية المتبعة في دعم الأعمال السينمائية يلزمها إعادة النظر، لأن الصيغة الحالية تشجع على الريع السينمائي.
لذلك نحن نقترح صيغة جديدة تجمع بين الجودة الفنية ونظام شباك التذاكر، كأن يقدم نصف مبلغ الدعم بعد الحصول على نسب مشاهدة تتجاوز 100 ألف على سبيل المثال ، هكذا سنشجع المنتجين على المغامرة والبحث والاعتماد على النجوم، والاشتغال على الأفلام الجماهيرية مما سيجعل المتفرج يقبل من جديد على القاعات السينمائية، وسيشجع الاستثمار في بناء القاعات ، وهذا الأمر ممكن التحقق، لأن هناك بعض الأفلام المغربية التي أنتجت بدون دعم المركز السينمائي المغربي وحققت إيرادات عالية في شباك التذاكر جعلتها تغطي كلفتها الإنتاجية بل وتحقق ربحا ،  مثل هذه الأفلام، يجب أن يشجعها المركز السينمائي المغربي لأنها تساهم في المحافظة على السينما المغربية من الاندثار.
 
إن صيغة الدعم المتبعة حاليا تجعل المنتج يبحث بكل الطرق عن الاقتصاد في التكلفة، والاغتناء السريع، مما يجعله يعتمد على وجوه مغمورة ومبتدئة بدعوى تشجيع المواهب، والاقتصاد في كل الجوانب بدعوى أنه ينتج سينما المؤلف، الشيء الذي يجعله يلجأ للاستسهال الفني، والتطاول على الاختصاصات فتجده منتجا وكاتبا للسيناريو ومخرجا ويشغل شلة من معارفه وأصدقائه لكي يخفض التكلفة، مما ينتج لنا سينما متهافتة تضطر إلى البحث عن الإثارة الرخيصة انطلاقا من الاشتغال على بعض الظواهر النمطية ( كليشهات ) فتعالجها بطريقة فجة ومباشرة تبحث فقط عن إثارة تيار مجتمعي معين من أجل محاولة منع الفيلم مما سيحقق له إشهارا مجانيا، أو في بعض الأحيان يلجأ بعضهم إلى تناول بعض القضايا الغرائبية التي تعطي الانطباع عن المجتمع المغربي كمجتمع متخلف وبدائي و متوحش لازال يشكل حقلا خصبا للدراسات الأنتروبولوجية الكولونيالية ، وهذا لا يعكس التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعيشها مجتمعنا.
 
إن ربط الفن السينمائي بتكسير الطابوهات أو بالنضال من أجل الحريات الفردية يفقد العمل الفني قيمته ويجعل منه غرضا غير إبداعيا شأنه في ذلك شأن من يريد أن يجعل من السينما وسيلة للوعظ الأخلاقي.
والفنان الذي يحاول تكسير الطابوهات دونما مبرر ولا حس كياسة يصل في النهاية الى هدم سلطة الخيال، ويحول العمل الفني إلى مجرد خطاب جارح لا يثير احساسا جماليا، بل يثير إحساسا بالرفض للعمل الفني ويعوق تلقيه، مما يؤثر سلبا على السينما المغربية ويساهم في تدني جماهيريتها وتكوين أفكار مسبقة مغلوطة حولها.
 
إننا نقترح مجموعة من الإجراءات من أجل تطوير السينما المغربية:
أولا: ضرورة مراجعة نظام دعم الإنتاج السينمائي عبر ربطه بضمان حد أدنى من المردودية التجارية أو الفنية، أو هما معا.
 
ثانيا: تطوير الترسانة القانونية بما يضبط العلاقات التعاقدية بين جميع أطراف العمل الفني، ويضمن الالتجاء الى الكفاءة المهنية.
 
ثالثا: ضرورة تشجيع التنوع الثقافي وعدم الاقتصار على الأفلام السينمائية التي تتضمن ثقافة المحور (القنيطرة/الجديدة) .
 
رابعا: دعم التكوين في مجال كتابة السيناريو والانفتاح على التجارب الأنكلوسلكسونية في هذا المجال بالخصوص، وفي باقي مجالات الإبداع السينمائي.
 
خامسا: تشجيع القنوات العمومية والمنابر الإعلامية على دعم سوق إشهار المنتوج السينمائي المغربي.
 
سادسا: إحداث مركبات سينمائية متعددة الشاشات وحث الجماعات المحلية على المساهمة في إنشاء القاعات السينمائية.
 
سابعا: تشجيع البحث عن أسواق خارجية لعرض المنتوج المغربي خصوصا على مستوى المغرب العربي، والاعتماد على الدبلجة إلى اللهجات العربية الأكثر انتشارا من أجل ضمان تسويقه بشكل جيد في أسواق الشرق الأوسط.
 
ثامنا: ضرورة اعتماد بطاقة الفنان من أجل تأطير اشتغال الممثلين، وتحسين ظروف اشتغالهم في أفق إرساء صناعة سينمائية قوامها النجم الذي يحرك عجلة الإنتاج السينمائي.
 
تاسعا: ضرورة الحيلولة دون تجمع الاختصاصات والفصل بين المنتج والمخرج داخل العمل الفني.
 
عاشرا: ضرورة إعادة النظر في طريقة دعم المهرجانات السينمائية والاقتصار على تلك التي تشكل إضافة نوعية وتحقق إشعاعا دوليا.
 
إن لدينا فرصة تاريخية من أجل احتلال موقع الريادة في السوق السينمائية العربية، خصوصا أن هناك اهتماما متزايدا بالمغرب وقضاياه بعد أحداث الربيع العربي، ولدينا جميع المقومات من أجل إرساء أسس صناعة سينمائية تساهم في الناتج الوطني الخام ، وتستطيع تشكيل الوعي الجمعي وبلورة الشخصية المغربية وإعطائها ما تستحق من التقدير. يلزمنا فقط أن ننتقل بمؤسسة المركز السينمائي المغربي من مرحلة الدعم إلى مرحلة تنفيذ سياسة سينمائية تتمحور حول الذات والهوية المغربيتين، ويلزمنا جميعا أن ننخرط في دعمها بعيدا عن الحسابات السياسية والصراعات الجانبية التي تتخذ من الفن مطية من أجل صراع إديولوجي عقيم المعنى و الشكل .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *