يواجه قطاع الإنتاج الدرامي في مصر، في الفترة الأخيرة، إكراهات جمة تتعلق بصعوبة استكمال تصوير المسلسلات الجديدة، التي ستعرض خلال شهر رمضان، بسبب الإجراءات الاحترازية التي أطلقتها السلطات المصرية، للحد من تفشي وباء (كوفيد-19).
وتكمن هذه الإكراهات في ضيق الوقت اللازم لإنهاء تصوير الأعمال الدرامية التي ستعرض خلال موسم رمضان، خاصة وأن قطاع الدراما يعول كثيرا على شهر الصيام من أجل تسويق أبرز الأعمال الجديدة في المحطات التلفزية والفضائيات العربية، بالنظر إلى ارتفاع نسب المشاهدة، وهو الأمر الذي أصبح بمثابة ظاهرة موسمية، وفي الآن نفسه ضرورة الالتزام بالاشتراطات الصحية التي تفرضها الدولة مخافة انتشار الوباء.
وفي ظل حمى الخوف من انتشار فيروس “كورونا” في استوديوهات التصوير، أصدرت نقابة المهن التمثيلية في مصر مؤخرا بيانا إرشاديا للتحذير من تفشي الوباء في فضاءات التصوير والتي تضم عددا كبيرا من الممثلين والفنيين.
ودعت النقابة المخرجين ومديري الإنتاج إلى خفض التجمعات داخل بلاتوهات التصوير، والتقليل من السفر والتنقل إلا للضرورة القصوى.
كما أوصت النقابة بتأجيل تصوير “المجاميع” وهي مشاهد الحركة قدر المستطاع، والالتزام بكل الإجراءات الطبية الوقائية الصادرة من وزارة الصحة، وتعقيم أماكن التصوير بشكل دوري، لحين صدور قرار بعبور مرحلة الخطر رسميا.
وفرض هذا الوضع الصعب على الممثلين وفرق التصوير، صعوبات عدة أبرزها الضغوط الكبيرة التي يواجهونها بسبب اضطرارهم إلى البقاء في استوديوهات التصوير لمدة تزيد على 16 ساعة يوميا، للحاق بالموسم الرمضاني المقبل إلى جانب الاستمرار، إن اقتضى الأمر، في تصوير بعض الأعمال حتى نهاية شهر رمضان.
وفي هذا الصدد، أكد الممثل إيهاب فهمي، عضو مجلس نقابة المهن التمثيلية، أن كل الممثلين معنيون بشكل رئيسي، لأخذ الحيطة والحذر خلال عمليات التصوير، مبرزا أن بيان النقابة “احترازي بالدرجة الأولى”.
وشدد في تصريحات صحفية على أن النقابة “ليست جهة رقابية أو صحية ولا تطالب بحجر صحي، لأنها تدعو فقط إلى الالتزام بالاشتراطات الصحية من اجل المحافظة على المهنة والعاملين بها”.
غير أن هذه الضغوط التي باتت تفرض نفسها وبإلحاح على الممثلين وفرق التصوير، والمرتبطة بضيق الوقت، خاصة وأن كل الفضائيات وشركات التوزيع في الوطن العربي تنتظر خروج أخر الإنتاجات الدرامية للتسويق التجاري في رمضان، قد تؤثر على جودة الأعمال المقدمة في هذا الموسم بشكل خاص وقيمتها الفنية..
الناقد السينمائي مصطفى الكيلاني، أكد أن صعوبات كبيرة جدا تواجه الممثلين وفرق العمل في تصوير عدة أعمال درامية، تتمثل أساسا في إلغاء مشاهد خارجية كثيرة والتركيز على المشاهد الداخلية في بلاتوهات خاصة، لتفادي الاختلاط بعموم الناس في فضاءات التصوير العامة، خوفا من الإصابة بالوباء.
وأكد الكيلاني في تصريح لوكالة المغرب العربي للانباء، أن هذا الأمر سيؤثر حتما على جودة الأعمال الدرامية قيد التصوير، رغم توفير كل الاشتراطات الصحية الضرورية، والاعتماد على عدة فرق تصوير ومخرجين مساعدين في العمل الواحد ربحا للوقت خاصة وأن شهر رمضان على الأبواب.
وسجل الكيلاني، أن مشاكل أخرى فرضت نفسها على مخرجي بعض الأعمال الدرامية كما وقع مثلا في مسلسل “لعبة النسيان” حيث اضطر مخرجه هاني خليفة، إلى تغيير بعض شخوص العمل، بعد تعذر عودة الممثل والمطرب أحمد فهمي وفريق المسلسل من بيروت إثر الانتهاء من تصوير مشاهد خارجية، بسبب إلغاء رحلات الطيران.
نفس الأمر، بات يواجه مسلسل “تقاطع طرق” وهو من بطولة الممثلة منى زكي وإخراج تامر محسن، حيث تقرر تأجيل تصوير كافة المشاهد الخارجية في الأماكن العامة والمشاهد التي تتطلب وجود عدد كبير من الممثلين وممثلي الحركة (المجاميع)، وذلك حفاظا على صحة فريق العمل، تماشيا مع قرارات السلطات المصرية من اجل مجابهة فيروس”كورونا” وكذا لتعذر التحاق الممثلة التونسية عائشة بن أحمد إلى مصر لاستكمال تصوير باقي مشاهد الحلقات المتبقية.
وفي هذا الصدد، أكد محمود عبد التواب مساعد أول لمخرج العمل، في تصريح صحفي، أن “أسرة المسلسل غير مستعدة لتقديم تنازلات أو بدائل تؤثر على جودة العمل منذ بداية تصويره لقناعتها بأنه عمل درامي يحمل قيمة فنية عالية”، مبرزا أن المسلسل “لن يحدد توقيت عرضه إلا بعد الانتهاء من تصوير كافة حلقاته”.
وأشار إلى أن تصوير المشاهد، سيستمر في الأماكن الداخلية الآمنة بعد اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية اللازمة مع إلغاء تصوير أي مشاهد خارجية تتطلب تجمعات.
من جهة اخرى، أكد الناقد السينمائي طارق الشناوي، أن الانتاجات الدرامية التي ستعرض في موسم رمضان المقبل، بالتأكيد ستكون مختلفة ومغايرة عن سابقاتها، بالنظر إلى تركيزها في جزء كبير على مشاهد داخلية عوض المشاهد الخارجية التي تفرض تجمعات بشرية و”كومبارس” كاف وسفر إلى دول خارجية.
وأشار في تصريح مماثل ل(و.م ع) ، إلى أن أعمال رمضان 2020 “ستختلف تماما عن الإنتاجات السابقة، سواء تعلق الأمر بجودتها أو قيمتها الفنية والدرامية”، مبرزا أن صناع الدراما في مصر “سيراهنون على تسامح الجمهور-المتلقي في هذه الظرفية الصعبة بالذات، واستيعاب فكرة اللجوء إلى المشاهد الداخلية عوض الخارجية لتصوير عدة أعمال”.
وعكس تصريحات نقيب المهن التمثيلية، أشرف زكي والتي أكد فيها أن السباق الرمضاني لهذا الموسم سيعرف فقط عرض 25 في المئة من المسلسلات الجاهزة للتسويق التجاري، بسبب الإكراهات سالفة الذكر، إلا أن الشناوي بدا متفائلا من هذا الأمر، وشدد في المقابل على أن نصف الأعمال الدرامية الجديدة ستعرف طريقها نحو الشاشة.
وسجل الشناوي أن الموسم الرمضاني الجديد، بغض النظر عن جودة الأعمال المقدمة، سيعرف مسألة في غاية الأهمية، تكمن في ارتفاع نسب المشاهدة من قبل الجمهور بسبب إجراءات الحجر الصحي والمكوث في البيوت وهو ما سيسهم في انتعاش سوق الإعلانات بشكل كبير في لحظات الذروة.
وعموما تزداد أعداد المشاهدين في شهر رمضان بشكل لافت حيث ترتفع أسعار الإعلانات عند فترتي الإفطار والسحور.
ومهما يكن من أمر، فإن صناع الدراما في مصر سيواجهون في الفترة المقبلة لحظات عصيبة، بسبب إصرار عدد منهم على عدم وقف تصوير أعمالهم الفنية وفي ذات الوقت توخي الحذر والالتزام بشروط الوقاية من فيروس كوفيد-19.
لكن المال أحيانا والحرص على الظفر بنصيب وافر في سوق الإعلانات المغري، سيقوي من عزيمة المنتجين والممثلين على حد سواء لاستكمال أعمالهم الفنية وتجاوز تداعيات هذه الجائحة.