أحداث سوس
في بيان ناري صادر عن صلاح الدين أبو الغالي، عضو القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، استنكر ما وصفه بالسلوك الاستبدادي لعضوة القيادة الجماعية فاطمة الزهراء المنصوري.
وقد أشار إلى أنها استغلت منصبها للضغط عليه في خلاف تجاري لا علاقة له بالحزب، وطالبته بتقديم استقالته.
أبو الغالي أكد أنه رفض الانصياع، متمسكا بالقيم الديمقراطية ومبادئ الحزب.
وأوضح أن الخلاف بينه وبين المنصوري تصاعد منذ انتهاء المؤتمر الوطني الخامس، متهماً إياها بالسعي لتصفية المخالفين وتعزيز نفوذها الشخصي داخل الحزب.
وحسب مصادر متطابقة، قرر المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة تجميد عضوية صلاح الدين أبو الغالي، مضيفة أنه من المرتقب صدور بلاغ في الموضوع لاحقا.
وتابعت نفس المصادر أن القرار جاء تنفيذا لميثاق أخلاقيات الحزب.
وفي مايلي نص بلاغ أبو الغالي:
تفاجأت، لحد الصدمة والذهول، بالسلوك التحكمي الاستبدادي، لعضوة القيادة الجماعية للأمانة العامة، السيدة فاطمة الزهراء المنصوري، التي أضحى تدبيرها التنظيمي والسياسي وكأن حزب الأصالة والمعاصرة ضيعة خاصة تتصرّف فيها حسب الأهواء، بعيدا عن القيم النبيلة التي آمنا بها، والتي شدّد عليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، في برقية التهنئة باختتام المؤتمر الوطني الخامس للحزب…
لنستعرض، في البداية، الوقائع:
اليوم، تلقيت رسالة نصية من السيدة المنصوري تطلب مني فيها الحضور للقاء معها بالمقر المركزي لحزب الأصالة والمعاصرة ساعة قبل بدء اجتماع المكتب السياسي. حضرت في الوقت المحدد على الساعة الخامسة عصرا، فوجدت برفقة فاطمة الزهراء المنصوري، عضو القيادة الجماعية المهدي بنسعيد، وسمير كوادر رئيس جهة مراكش تانسيفت الحوز، أحمد التويزي رئيس الفريق والبرلماني عن مدينة مراكش، بادرتني السيدة المنصوري بالقول إنها “سْمعت على شي خلاف تجاري بينك وبين شي حد من الحزب، وأنه باغي يدعيك”! سألتها: “وما دخلكِ أنت بقضية تجارية محضة لا علاقة لها بالحزب؟”! لقد بدا جليا أن السيدة المنصوري قد حزمت أمرها، واتخذت قرارها، بغير وجه حق، للضغط علي لتغليب كفة الربح لفائدة الطرف الآخر، وتطلب مني تقديم استقالتي في حالة رفضي الإنصياع لأمرها، فرفضت بالإطلاق، على اعتبار أن ما تتكلم عنه هي أمور تجارية لا علاقة لها بالحزب، ولا بتدبير الشأن العام. فهدّدتني بأنها ستطلب تجميد عضويتي في اجتماع المكتب السياسي، فكان جوابي هو الاحتكام إلى الحكامة الحزبية، كما جاءت في برقية ملك البلاد نصره الله، وإلى ميثاق الأخلاقيات، وإلى القيم والمبادئ النبيلة، التي شكلت منطلق وهدف عملنا السياسي داخل حزب الأصالة والمعاصرة… وقبيل اختتام اجتماع المكتب السياسي، اضطررت إلى الانسحاب من الاجتماع، أولا للاحتجاج على كل السلوكات التي تتناقض جذريا مع الرسالة السامية للعمل السياسي النبيل، ولأكتب هذا البيان الاحتجاجي…
هذه هي وقائع اليوم أستعرضها بتركيز شديد، لأسجل ما يلي:
أولا، المكتب السياسي ليس هو المكان الأصح لحل المشاكل التجارية الخاصة، فالمكتب السياسي ليس تاجرا ولا قاضيا ولا وسيطا ولا سمسارا يريد تغليب كفّة تاجر على كفّة تاجر آخر منافس!!! المكتب السیاسي هيئة تنفيذية تترأسها القيادية الجماعية للأمانة العامة للحزب، وهي مكلفة بتنفيذ سیاسة الحزب وقراراته كما حددھا المؤتمر الوطني والمجلس الوطني، والتي لا علاقة لها بالخلافات التجارية بين أعضاء الحزب.
ثانيا، أصل المشكل التجاري مع متعامل آخر، يعود إلى خلافٍ ذي صلة ببيع وشراء عقار تملكه عائلتي، وإذا رأى الطرف الآخر أنه تعرّض لظلم ما، فمن حقّه طلب الانتصاف بما في ذلك القضاء، الذي وحده يفصل بين البريء والمذنب، ودخول عضوة القيادة الجماعية للأمانة العامة فاطمة الزهراء المنصوري على خطّ هذا الخلاف التجاري الشخصي، هو إقحام قضية شخصية في ممارسة حزبية، وهذا شيء لا يستقيم ولا يقبله أي ديمقراطي، لأنه يتحوّل إلى فعل استبدادي، تستعمله السيدة فاطمة الزهراء المنصوري مستقوية بإيحاءات عن “جهات عليا” وعن “الفوق”، لتفعل في الحزب ما تريد، فتقرّب المريدين، وتسعى إلى “تصفية” المخالفين…
ثالثا، السلوك الاستبدادي للسيدة المنصوري هو “تطاول” على ميثاق الأخلاقيات المصادق عليه من طرف المجلس الوطني، الذي يقول في المادة 13 أنه “يمكن للمكتب السياسي تجميد العضوية لأحد أعضاء الحزب وتوجيه إنذارات في حق كل منخرط ويختص بالإحالة على اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات لإتخاذ المتعين لكل من يشغل مهمة انتدابية أو نيابية حُركت في مواجهته متابعة من أجل جناية أو جنحة عمدية مرتبطة بتدبير الشأن العام بناء على إحالة المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للداخلية. ولا علاقة لكل هذا بالمعاملات التجارية الخاصة. ”
وحسب المادة 14، “تصدر اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات قرارا بتجميد العضوية في حق كل منخرط بالحزب صدر في شأنه قرار قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل جناية أو جنحة عمدية مرتبطة بتدبير الشأن العام ما لم يرد له اعتباره.”
والحال أن الخلاف المعني، هو خلاف تجاري بين اثنين متعاملين تجاريا، فهو مشكل شخصي، بين شخصين، لديهما من الرشد والأهلية ما يمكّنهما من حل المشكل، وإذا استعصى على الحل، فهناك طريق القضاء وليس طريق حزب الأصالة والمعاصرة ولا طريق السيدة المنسقة الوطنية للقيادة الجماعية للأمانة العامة للبام!!!
رابعا، وخلافا للسلوك الاستبدادي للسيدة المنصوري بطلب تجميد عضويتي، فإن المكتب السياسي ليست لديه الصلاحية القانونية للنظر في عضوية عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة، وننوّر السيدة المنصوري، التي أعماها عن ذلك “التحكُّم” ، أن أعضاء القيادة الجماعية منتخبون من قبل المجلس الوطني، الذي وحده له الحق، حسب المادة 88 من النظام الأساسي للحزب، في النظر في هذه العضوية، وبالتبعية المنطقية، فإن سقوط أو إقالة عضو من القيادة الجماعية، التي تجسد الأمانة العامة للحزب، فإنه يترتب عليه إقالة جماعية لأعضاء الأمانة العامة. فالرسالة الملكية، في برقية التهنئة، لم تَعدَّ شخصاً واحداً أو شخصين، بل ذكرت وهنأت الأسماء الثلاثة على اعتبار أنها تجسّد مخرجات انتخابات المؤتمر الوطني والمجلس الوطني، حيث قال صاحب الجلالة حفظه الله : “نتوجه إليك بتهانئنا بمناسبة انتخابك منسقة للقيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، التي تضم في عضويتها كلا من السيد محمد مهدي بنسعيد والسيد صلاح الدين أبو الغالي، وذلك من قبل مجلسه الوطني، مع متمنياتنا الخالصة لكم بكامل التوفيق والسداد في النهوض بمسؤولياتكم القيادية الحزبية الجديدة”…
خامسا، رفضي للسلوك الاستبدادي التحكمي بتجميد العضوية يتأتى من احترامي لحزبي، ولمبادئه السامية، التي كان للباميات والباميين شرف التأكيد عليها من قبل قائد الأمة رئيس الدولة نصره الله، الذي دعا حزبنا إلى “ترسيخ انخراطه الفاعل، من موقعه السياسي، في النهوض بما ندعو إليه من ضرورة توطيد الثقة ومصداقية الهيئات السياسية، وذلك عبر تكريس الثقافة والممارسة السياسية النبيلة، القائمة على الجدية في التفاعل مع التطلعات المشروعة للمواطنين، والتفاني في جعل خدمة الصالح العام الهدف الأسمى لكل فعل سياسي حزبي”. وهذا ما كنت أدافع عنه، ومن منطلقه كنت أرفض السلوكات المناقضة لعضوة القيادة الجماعية، التي سرعان ما نسيت خرجتها الإعلامية المعروفة، مباشرة بعد انتهاء مؤتمر حزبنا، عبر القناة الثانية “دوزيم”، حيث عبّرت عن “دفتر تحمّلات” القيادة الجماعية لتنزيل مخرجات المؤتمر، وضمنها إعادة النظر في المشروع الحزبي برؤية جديدة وتجديد المؤسسات الحزبية والتحلي بفضائل النقد والنقد الذاتي، ثم قالت: “أنا لست أمينة عامة للحزب، نحن الثلاثة نسيّر الحزب، ولا فرق بيننا”، وكان ذلك شبيها بالمثل السائر: “كلام الليل يمحوه النهار”!!!
سادسا، النقطة التي أفاضت الكأس، كما يقال، كانت هي عندما رافقت السيدة المنصوري سمير كودار رئيس جهة مراكش تانسيفت الحوز إلى الاجتماع الأخير لهيئة رئاسة الأغلبية الحكومية، في يونيو 2024 بالرباط، ونشرت صورة له بصحبتها مع رئيسي الحزبين المشكلين للتحالف الحكومي، إذ وجّهتُ لها، بكل رفاقية حزبية، الملاحظة حول الاجتماع، وأن الأحرى كان يجب أن يرافقها أحد عضوي القيادة الجماعية للأمانة العامة، ومنذ ذلك الوقت، بدأ الخلاف يحتدّ ويتأجج… وهنا سأحدد نقطة البدء في تفجّر الخلاف، فالسلوك الاستبدادي للسيدة عضوة القيادة الجماعية بدأ يظهر ويتنامى منذ انتهاء أشغال المؤتمر الوطني الخامس في فبراير 2024، خصوصا عندما كنت أطالب، بين الحين والآخر، بالعودة إلى مخرجات المؤتمر من أجل العمل على تنزيلها في أفضل الظروف وفاء لالتزاماتنا وتعهّداتنا ليس فقط أمام عموم الباميات والباميين، بل أساسا أمام صاحب الجلالة، وأمام الشعب المغربي، الذي منحنا ثقته لنكون ثاني قوة سياسية في البلاد، ولكي يرافق تفاعلنا معه في اتجاه أن نكون القوة السياسية الأولى… لكن السيدة عضوة القيادة الجماعية لديها رأي آخر، ورؤية أخرى، للأولويات، إذ كلما أصررتُ على فتح أوراش المراجعة التنظيمية والسياسية، التي أسندتها لنا أعلى هيئة تقريرية في الحزب، وهي المؤتمر الوطني، كلما استعر الخلاف، خصوصا أن السيدة المنصوري ظل كل همّها، في البداية، هو الانتخابات المقبلة، ليس عبر التأهيل الحزبي الذاتي للنجاح في خوض غمار هذه المعركة السياسية في مسيرة الديمقراطية المغربية، وإنما فقط في البحث عن “العناصر” التي تضمن “الفوز” بالمقعد، ثم أصبح شغلها الشاغل حاليا اللقاءات المعلنة وغير المعلنة، مع أسماء بعينها حدّدتها وحدها، لتتهيّأ للتعديل الحكومي المرتقب، مع التكتّم على الاتصالات والتواصلات و”المحادثات” ومعايير الانتقاء ولائحة الأسماء التي ستحملها السيدة المنصوري إلى رئيس الحكومة…
سابعا، السيدة فاطمة الزهراء المنصوري ليست إلاّ عضوة في تساوٍ تام بين باقي القيادة الجماعية، وقد ارتأينا أنا والمهدي بنسعيد تعيينها منسقة مع المؤسسات، وفي ما يخص المشاورات في حالة طلبَها رئيس الحكومة، وقد سبق أن اقترحت تشكيل لجنة موسعة لانتقاء المرشحات والمرشحين للإستوزار زيادة في الوضوح والشفافية، حتى لا يتسلل بعض “المقربين” إلى المناصب دون كفاءة ومصداقية، وهذا الخلاف بيننا دفعها لاختلاق الأسباب الواهية، والأكاذيب المفضوحة، لإبعادي في هذه المرحلة عن مراقبة ما يجري، وتمكين السيد سمير كوادر من شغل منصبي في ضرب لقرارات الحزب، وضداً عن القانون، وسأضع رهن إشارة الرأي العام المتتبع للشأن الحزبي نسخة من القانون الأساسي، ونسخة من النظام الداخلي، ونسخة من مدونة الأخلاقيات التي صِغتها شخصيا صحبة رئيسة اللجنة الوطنية للأخلاقيات التي أصيبت بدورها بالذهول وهي تسمع وترى هذه الترهات.
لهذه الأسباب، ولأسباب أخرى، أحتفظ بها لكل غاية مفيدة، فإنني أستنكر هذا التصرف الأرعن، وسأظل أمارس صلاحياتي كاملة، وسأحضر اشغال المكتب السياسي كلما انعقد، ولن يخيفني الطغيان، ولن أقبل بالتحكم، وأتحدى أياً كان يمس مصداقيتي، وأخلاقي منذ التحاقي بحزب الأصالة والمعاصرة عند إنشائه.