لا يستعملون كرسيا متحركا ولا عصا يتحسسون بها طريقهم، ولا تصدر عنهم حركة تنم عن اضطراب سلوكي أو عقلي، ولا يلفتون انتباه الآخرين بأي شكل من الأشكال. تخالهم أسوياء، ويحدث كثيرا أن يتوجه إليهم أحد بالحديث، فيزعجه عدم ردّهم، ويبدي ردة فعل انفعالية دون أن يدرك، أو يُدرك متأخرا، أن من لم يردوا عليه من ذوي الإعاقة الحسية.
إنهم الصُّم. فئة محرومة من نعمة السمع والنطق، ففرض عليها أن تعيش في عالمها الصامت، الذي تحركه إشارات الأيدي وحركات الشِّفاه. تجد كثيرا منهم يبحثون في مساحات السكون نفسها عن ذواتهم، عن فرصة للعطاء، عن حقهم في السمو بذواتهم والاندماج في مجتمعهم، فتكون البداية لتحقيق ذلك إيجاد فرصة للتعلّم أو التكوين إسوة بمن يُنعتون بـالأسوياء.
بمناطق سوس فئة مهمة من الأطفال يُعانون هذه الإعاقة الحسية، ويحتاجون إلى عناية خاصة، تبتدئ بالكشف طبيا عن نوع إعاقتهم، التي تفرض تعاملا خاصا، وتستوجب في البدء، كذلك، زيادة على ضروريات النمو الجسمي الطبيعي، إلماما بلغة الإشارة من أجل فهم إيحاءات هؤلاء، التي قد لا يُتقنها كثير من الآباء، فيكبرون وتكبر معهم متطلبات التوازن بين النمو العادي وهاجس مراعاة حالتهم الخاصة، المستلزِمة للبحث عن آليات تحقيق إدماجهم في أسرهم، ثم في المجتمع.
“منذ الشهور الأولى لولادة ابني محمد، اكتشفت أن شيئا ما فيه ليس على ما يُرام، إذ لم يتفاعل كما عهدت في إخوانه وأخواته حين يولدون وأثناء نموهم، وكلما مرت الشهور تيقّنت أن ابني ليس طبيعيا، وفي شهره الخامس لم أجد غير زيارة طبيب للأطفال من أجل إجراء فحص عام له، ولم يخطر ببالي ما كشفت عنه تلك الفحوصات. لقد كان محمد أصم” تقول السعدية، من منطقة القليعة، في حديثها إلى هسبريس، قبل أن تضيف “طالبني الطبيب بإجراء عدة فحوصات، منها ما يسمى بشبكة الدماغ وغيرها، فكان الخبر يقينا: محمد يُعاني ضعفا كبيرا في النطق والسمع”.
وأوضحت السعدية أن إعاقة ابنها محمد، وهو آخر أبنائها، الذين لا يُعانون أي نوع من الإعاقة، حتّم على الأسرة تعاملا خاصا مع حالته، مضيفة “لم أكن على دراية بكيفية التواصل معه، كذلك حدث مع والده وإخوته، ومع وصوله سن التمدرس كان الهاجس الأكبر هو البحث عن مؤسسة تستقبل هذه الفئة، وهنا نعتبر أنفسنا محظوظين، إذ علمنا بوجود مركز يهتم بتعليم هذه الشريحة بآيت ملول، وهو ما لم يتوفر لكثيرين من هذه الفئة، كبروا من غير أن تُتاح لهم أي فرصة للتعلم، سيما أمام غياب هذا النوع من التعليم في المؤسسات التعليمية التابعة للدولة في منطقتنا على الأقل”.
وأوضح الطفل محمد، الذي تحدّث إلينا بلغة الإشارة، وعملت والدته على ترجمتها لنا، أنه “لا يفهمني أحد، كلما هممت بالتحدّث إلى الناس، ومنهم أطفال من الناطقين في نفس عمري. لا يفهمني الكثير منهم، فهم لا يعرفون لغة الإشارة كي يتواصلوا معي، كما أنهم يتكلمون، فيما أتحدّث أنا بلغة الإشارة. لكن كل الأحاسيس التي كانت تؤرقني سرعان ما انقشعت لما ولجت المركز التربوي “زهور” بآيت ملول، الذي وجدت فيه كثيرا من الأطفال مثلي، فكانت لنا فرص التعلم والمواكبة الطبية والعديد من الأنشطة”.
ومن أجل سبر أغوار تجربة مركز “زهور” للأطفال الصم بالقطب الاجتماعي بمدينة آيت ملول، التقت هسبريس بمحمد أزركي، رئيس جمعية “زهور للتنمية”، التي تدبّر تسيير هذا الفضاء، حيث أوضح أن جمعيته تهدف، منذ تأسيسها سنة 2005، إلى تدريس الأطفال الصم في الأسلاك التعليمية الثلاثة، وتعليمهم لغة الإشارة، وتوفير مختبر شبه طبي لقياس السمع، وإصلاح وتركيب السماعة، فضلا عن حماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة بصفة عامة، والتحسيس بوضعية الصم محليا وجهويا ووطنيا ودوليا، والدفاع عنهم، مع العمل على تنشئة الصم تنشئة اجتماعية سليمة شاملة.
وهذا المركز هو الوحيد بجهة سوس ماسة، الذي يوفّر كل تلك الخدمات للأطفال من ذوي الإعاقة الحسية، ويبلغ عددهم حاليا 160 طفلا تتراوح أعمارهم بين 4 و16 سنة، يتوافدون على المركز من أكادير، الدراركة، القليعة، اشتوكة آيت باها، إنزكان، آيت ملول والتمسية، حيث يستفيدون من مختلف مراحل التعليم الأولي والابتدائي وحتى الإعدادي، في إطار الدمج المدرسي بالثانوية الإعدادية علال الفاسي في مدينة الدشيرة.
وتوفر الجمعية أسطول نقل يتكون من 8 سيارات، كما يسهر طاقم تربوي وإداري ومستخدمون على الاعتناء بهؤلاء الأطفال في كل الجوانب، يقول محمد أزركي.
وأضاف أن “دفعة قوية أعطاها الملك محمد السادس حين تفضّل في يناير من سنة 2011 بتدشين هذا المركز، ضمن حرصه المولوي على العناية بذوي الاحتياجات الخاصة، فلم يكن أمامنا إلا ركوب غمار التحدّي من أجل تلبية كل ما تحتاجه هذه الفئة من الأطفال، بدعم من شركائنا المؤسساتيين والمحسنين، وبعقد شراكات مع منظمات وطنية ودولية تُعنى بالصم، منها التي تتطوع سنويا لتنفيذ حملات طبية في قياس النطق وتصحيحه، وتركيب السماعات وصنعها، مع تكوين أطر المركز في هذا المجال. كما كان لمديرية التعليم بإنزكان دورها الريادي في فتح قسم للدمج المدرسي لهذه الفئة بالتعليم الإعدادي، وهو ما مكنهم من مواصلة مسارهم الدراسي”.
المناهج الدراسية التي يدرسها التلاميذ العاديون بالمؤسسات التعليمية، هي نفسها التي تُدرّس للأطفال الصم، غير أن الفارق بين الحالتين يكمن في إيصال مضمون تلك المناهج بلغة إشارية. فبالإشارة يحولون تلك المضامين إلى أرقام وأعداد وحروف وكلمات ونصوص ولوحات فنية وغيرها، ويُنتجون كل شيء داخل فصولهم الدراسية، التي يعمّها الصمت إلا من تمتمات من هنا وهناك، تحت إشراف أطر تكوّنت وتُضحّي لأجل أطفال لا يتحدّثون إلا لغة الإشارة، في انتظار أن تشمل تجربة الدمج المدرسي السلك الثانوي التأهيلي، ولِم لا الجامعي.
في زيارتها لمركز “زهور” للأطفال الصم بآيت ملول، وقفت هسبريس عند فئة رفضت العيش في جلباب الإعاقة، وركنها على الهامش، مؤكدة أن ذوي الإعاقة الحسية قادرون على الإنتاج والعطاء وحتى التفوق على من نسميهم الأسوياء. هي نماذج ناطقة بالحركة في عالم يلفه الصمت، ونجحت في أن تشق طريقها متغلبة على إعاقتها، ومتخطية عدة مُعيقات مجتمعية، وهي في طريقها نحو تحقيق ذاتها وأهدافها، وتظل في أمس الحاجة إلى جهة تكفل حقوقها ومجتمع يُقدر خصوصيتها ليُسمع صدى صمتها.
إنهم الصُّم. فئة محرومة من نعمة السمع والنطق، ففرض عليها أن تعيش في عالمها الصامت، الذي تحركه إشارات الأيدي وحركات الشِّفاه. تجد كثيرا منهم يبحثون في مساحات السكون نفسها عن ذواتهم، عن فرصة للعطاء، عن حقهم في السمو بذواتهم والاندماج في مجتمعهم، فتكون البداية لتحقيق ذلك إيجاد فرصة للتعلّم أو التكوين إسوة بمن يُنعتون بـالأسوياء.
بمناطق سوس فئة مهمة من الأطفال يُعانون هذه الإعاقة الحسية، ويحتاجون إلى عناية خاصة، تبتدئ بالكشف طبيا عن نوع إعاقتهم، التي تفرض تعاملا خاصا، وتستوجب في البدء، كذلك، زيادة على ضروريات النمو الجسمي الطبيعي، إلماما بلغة الإشارة من أجل فهم إيحاءات هؤلاء، التي قد لا يُتقنها كثير من الآباء، فيكبرون وتكبر معهم متطلبات التوازن بين النمو العادي وهاجس مراعاة حالتهم الخاصة، المستلزِمة للبحث عن آليات تحقيق إدماجهم في أسرهم، ثم في المجتمع.
“منذ الشهور الأولى لولادة ابني محمد، اكتشفت أن شيئا ما فيه ليس على ما يُرام، إذ لم يتفاعل كما عهدت في إخوانه وأخواته حين يولدون وأثناء نموهم، وكلما مرت الشهور تيقّنت أن ابني ليس طبيعيا، وفي شهره الخامس لم أجد غير زيارة طبيب للأطفال من أجل إجراء فحص عام له، ولم يخطر ببالي ما كشفت عنه تلك الفحوصات. لقد كان محمد أصم” تقول السعدية، من منطقة القليعة، في حديثها إلى هسبريس، قبل أن تضيف “طالبني الطبيب بإجراء عدة فحوصات، منها ما يسمى بشبكة الدماغ وغيرها، فكان الخبر يقينا: محمد يُعاني ضعفا كبيرا في النطق والسمع”.
وأوضحت السعدية أن إعاقة ابنها محمد، وهو آخر أبنائها، الذين لا يُعانون أي نوع من الإعاقة، حتّم على الأسرة تعاملا خاصا مع حالته، مضيفة “لم أكن على دراية بكيفية التواصل معه، كذلك حدث مع والده وإخوته، ومع وصوله سن التمدرس كان الهاجس الأكبر هو البحث عن مؤسسة تستقبل هذه الفئة، وهنا نعتبر أنفسنا محظوظين، إذ علمنا بوجود مركز يهتم بتعليم هذه الشريحة بآيت ملول، وهو ما لم يتوفر لكثيرين من هذه الفئة، كبروا من غير أن تُتاح لهم أي فرصة للتعلم، سيما أمام غياب هذا النوع من التعليم في المؤسسات التعليمية التابعة للدولة في منطقتنا على الأقل”.
وأوضح الطفل محمد، الذي تحدّث إلينا بلغة الإشارة، وعملت والدته على ترجمتها لنا، أنه “لا يفهمني أحد، كلما هممت بالتحدّث إلى الناس، ومنهم أطفال من الناطقين في نفس عمري. لا يفهمني الكثير منهم، فهم لا يعرفون لغة الإشارة كي يتواصلوا معي، كما أنهم يتكلمون، فيما أتحدّث أنا بلغة الإشارة. لكن كل الأحاسيس التي كانت تؤرقني سرعان ما انقشعت لما ولجت المركز التربوي “زهور” بآيت ملول، الذي وجدت فيه كثيرا من الأطفال مثلي، فكانت لنا فرص التعلم والمواكبة الطبية والعديد من الأنشطة”.
ومن أجل سبر أغوار تجربة مركز “زهور” للأطفال الصم بالقطب الاجتماعي بمدينة آيت ملول، التقت هسبريس بمحمد أزركي، رئيس جمعية “زهور للتنمية”، التي تدبّر تسيير هذا الفضاء، حيث أوضح أن جمعيته تهدف، منذ تأسيسها سنة 2005، إلى تدريس الأطفال الصم في الأسلاك التعليمية الثلاثة، وتعليمهم لغة الإشارة، وتوفير مختبر شبه طبي لقياس السمع، وإصلاح وتركيب السماعة، فضلا عن حماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة بصفة عامة، والتحسيس بوضعية الصم محليا وجهويا ووطنيا ودوليا، والدفاع عنهم، مع العمل على تنشئة الصم تنشئة اجتماعية سليمة شاملة.
وهذا المركز هو الوحيد بجهة سوس ماسة، الذي يوفّر كل تلك الخدمات للأطفال من ذوي الإعاقة الحسية، ويبلغ عددهم حاليا 160 طفلا تتراوح أعمارهم بين 4 و16 سنة، يتوافدون على المركز من أكادير، الدراركة، القليعة، اشتوكة آيت باها، إنزكان، آيت ملول والتمسية، حيث يستفيدون من مختلف مراحل التعليم الأولي والابتدائي وحتى الإعدادي، في إطار الدمج المدرسي بالثانوية الإعدادية علال الفاسي في مدينة الدشيرة.
وتوفر الجمعية أسطول نقل يتكون من 8 سيارات، كما يسهر طاقم تربوي وإداري ومستخدمون على الاعتناء بهؤلاء الأطفال في كل الجوانب، يقول محمد أزركي.
وأضاف أن “دفعة قوية أعطاها الملك محمد السادس حين تفضّل في يناير من سنة 2011 بتدشين هذا المركز، ضمن حرصه المولوي على العناية بذوي الاحتياجات الخاصة، فلم يكن أمامنا إلا ركوب غمار التحدّي من أجل تلبية كل ما تحتاجه هذه الفئة من الأطفال، بدعم من شركائنا المؤسساتيين والمحسنين، وبعقد شراكات مع منظمات وطنية ودولية تُعنى بالصم، منها التي تتطوع سنويا لتنفيذ حملات طبية في قياس النطق وتصحيحه، وتركيب السماعات وصنعها، مع تكوين أطر المركز في هذا المجال. كما كان لمديرية التعليم بإنزكان دورها الريادي في فتح قسم للدمج المدرسي لهذه الفئة بالتعليم الإعدادي، وهو ما مكنهم من مواصلة مسارهم الدراسي”.
المناهج الدراسية التي يدرسها التلاميذ العاديون بالمؤسسات التعليمية، هي نفسها التي تُدرّس للأطفال الصم، غير أن الفارق بين الحالتين يكمن في إيصال مضمون تلك المناهج بلغة إشارية. فبالإشارة يحولون تلك المضامين إلى أرقام وأعداد وحروف وكلمات ونصوص ولوحات فنية وغيرها، ويُنتجون كل شيء داخل فصولهم الدراسية، التي يعمّها الصمت إلا من تمتمات من هنا وهناك، تحت إشراف أطر تكوّنت وتُضحّي لأجل أطفال لا يتحدّثون إلا لغة الإشارة، في انتظار أن تشمل تجربة الدمج المدرسي السلك الثانوي التأهيلي، ولِم لا الجامعي.
في زيارتها لمركز “زهور” للأطفال الصم بآيت ملول، وقفت هسبريس عند فئة رفضت العيش في جلباب الإعاقة، وركنها على الهامش، مؤكدة أن ذوي الإعاقة الحسية قادرون على الإنتاج والعطاء وحتى التفوق على من نسميهم الأسوياء. هي نماذج ناطقة بالحركة في عالم يلفه الصمت، ونجحت في أن تشق طريقها متغلبة على إعاقتها، ومتخطية عدة مُعيقات مجتمعية، وهي في طريقها نحو تحقيق ذاتها وأهدافها، وتظل في أمس الحاجة إلى جهة تكفل حقوقها ومجتمع يُقدر خصوصيتها ليُسمع صدى صمتها.