لحسن أموليد
” ما يقارب نصف المغاربة متوجسون من المهاجرين الوافدين على المغرب حيث يرون أن هؤلاء يستولون على فرص العمل على حساب المواطنين المحليين” هذا ما قاله الدكتور محمد عبد ربي , أستاذ علم الاجتماع و رئيس شعبة الفلسفة و السوسيولوجيا و علم النفس بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالمحمدية, خلال مداخلة له في الندوة الدولية حول” الهجرة في الفضاء الأورومتوسطي في سياق العلاقات المغربية-الافريقية و الأوروبية “التي نظمها كل من فريق البحث في القانون العام و الحكامة التابع لكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بأكادير و المركز المغربي للدراسات و تحليل السياسات بشراكة مع المؤسسة الألمانية كونراد أديناور بأكدير يومي 6 و7 دجنبر 2019.
و جاء في مداخلة أستاذ علم الاجتماع التي حملت عنوان “مسارات الهجرة الدولية بالمغرب ,عوامل النشأة و آليات الاندماج” أنه على مستوى المسارات المعقدة للهجرة الدولية، يعد المغرب بلدا استثنائيا لكونه يشكل موطنا لنشأة المهاجرين و لعبورهم و استقرارهم . فخلال الخمسة عشر سنة الماضية، أصبح المغرب وجهة مفضلة لدى العديد من المهاجرين و اللاجئين الأجانب من دول جنوب الصحراء و بعض الدول العربية مثل سوريا و غيرها. و أن السلطات العمومية المغربية تبنت استراتيجية للهجرة و اللجوء منذ 2014 تم بموجبها تسوية وضعية ما يزيد عن 40 ألف مهاجر و تسهيل اندماجهم في المجتمع المغربي من خلال تمكينهم من الولوج إلى التربية و التعليم، و الخدمات الصحية و التشغيل. لكن الظاهرة تفرض مجموعة من التساؤلات ; فإلى أي حد تمكن هؤلاء المهاجرون من الاندماج بالمجتمع المغربي؟ و ما هي مواقف المواطنين المغاربة تجاه هؤلاء المهاجرين ؟ و هل يؤيد المواطنون المغاربة قدوم المزيد من المهاجرين الأجانب للعيش في البلاد و الاستثمار بها من خلال خلق فرص التشغيل و الاستثمار أم يرونهم عبئا على المجتمع و الاقتصاد؟
و اعتمدت الدراسة التي قدمها الباحث على بحث ميداني أنجزه سنة 2018على المستوى الوطني في إطار الأفروباروميتر، فحاولت تحليل إشكالية اندماج المهاجرين الأجانب بالمجتمع المغربي و خلصت الى أن الموقع الجيو-استراتيجي المتميز للمغرب و الاستقرار السياسي الذي ينعم به، إضافة إلى التحسن و التنوع في البنية الاقتصادية، جعل العديد من المهاجرين الأجانب الطامحين إلى تحسين ظروف عيشهم يختارون المغرب كوجهة مثالية ، إما بهدف الاستقرار الدائم أو العبور إلى أوربا. و أن مواقف المواطنين المغاربة تجاه المهاجرين هي مزيج من الترحيب والحذر. حيث صرح حوالي ثلث المواطنين (36 %) أنه يجب أن يسمح “للبعض” أو “الكثير” من اللاجئين والمهاجرين وغيرهم من الأشخاص المشردين الأجانب بالعيش في المغرب. و يرى ثلثا المواطنين (64 %) أنه أمر “جيد ” أن يخلق المهاجر مقاولة ويشغل المغاربة بها , بالمقابل صرح ما يقرب من النصف منهم (47 %) أن المهاجرين يستولون على فرص العمل على حساب المواطنين المغاربة. ويرحب حوالي أربعة من كل عشرة بمهاجر يتزوج بأحد أقربائهم (39 %) أو يصبح جارًا لهم (38%) لكن يؤيد ربع المغاربة فقط (25 %) “المزيد من المهاجرين القادمين للعيش في البلاد”. ويعتقد أربعة من كل 10 (43 %) أن المغرب لديه عدد كافٍ من المهاجرين، ويجب ألا يسمح لمزيد من المهاجرين بدخول البلاد و العيش بها.
و فسر عبدربي هذه المواقف المزدوجة للمواطنين المغاربة اتجاه المهاجرين القادمين إلى المغرب
بالحاجز اللغوي و الثقافي الذي يشكل عائقا أمام انفتاح المغاربة و المهاجرين الأجانب على بعضهم البعض. كما أن عدم تمكن العديد من المهاجرين من الدارجة المغربية يجعلهم غير قادرين على الاندماج الاجتماعي و الاقتصادي، مما يقوي من مشاعر الحذر و الحيطة و يرسخ الأحكام القبلية السلبية اتجاه المهاجرين الأجانب.
يذكر أن هذه الندوة الدولية حول” الهجرة في الفضاء الأورو-متوسطي في سياق العلاقات المغربية-الافريقية و الأوروبية ” التي نسق أعمالها كل من د. رضا الفلاح و دة. بشرى اجدايني و د.الحسين الرامي , تميزت بتقديم و مناقشة أزيد من أربعين مداخلة علمية من قبل باحثين بارزين قادموا من فرنسا و الجزائر و انجلترا اضافة الى المغرب .