ياسين أحجام
لا يمل بنو جلدتنا نحن المغاربيين الأشاوس السخرية من العرب المشارقة و الاستخفاف بثقافتهم و عاداتهم و لباسهم ، هؤلاء العرب سواء من الشام أو الخليج هم من يتصدرون تشجيع القراءة و المسرح و النشر و الكتاب و الاعلام بصفة عامة و هم من يتفوقون في الدراما التلفزية ذات صناعة لا يستهان بها ، بل إنهم مثلا الأقوى عالميا في الإعلام الرياضي ، في نفس الوقت نهلل بفرح شديد لكل من برز منا لديهم و ذهب عندهم فنجح و تفوق على الصعيد العربي و في إطار الرؤية العربية ، و هذه فعلا مفارقة غريبة و عجيبة جدا .
و تتم السخرية اساسا من مواطني دول الخليج الذي يتمتعون بأعلى معدلات الدخل الفردي في العالم و ببنية تحتية اقتصادية و ثقافية جد هامة ، سيأتي من يقول بأن أموال البترول تصنع المعجزات ، فأقول له أنظر إلى الجزائر إحدى كبار منتجي البترول و الغاز في العالم و انظر إلى ليبيا و موريتانيا ، على الأقل في الخليج يستثمرون ثرواتهم في التعليم و الصحة و الشغل و الاوفشورينغ و في سن استراتيجية فعلية لسياحة مالية و ثقافية غاية في الإتقان ، يجيئ من ينتقد قيمهم و نمط حياتهم و هوسهم بالجنس ، فأقول له أن المجتمعات التي تقوم على المنع و التحريم و التفكير الخرافي تنتج لنا عادات سيئة جدا لفئة من الناس و ليس كلهم ، و هاته العقليات القائمة على الاغتصاب و الحط من قيمة المرأة لم نسلم منها بدورنا في اوساطنا المغاربية فلا يمكن أن نرشق الآخرين و بيتنا من زجاج .
مللت بصراحة من السب والشتم الموجه للعرب بدون اي خلفية لها علاقة بقومية ما ، فأنا لا أؤمن بتاتا بالقومية العربية و لا أقبل فكرة الانتصار لعرق معين ، و لكن أؤمن بأننا إذا أردنا كمغاربيين أن نقدم شيئا للعالم فيجب علينا الاشتغال على هويتنا الثقافية بوضوح تام لكي يكون بإمكاننا تقديم أنفسنا للعالم ، فمرة نقول نحن امازيغيين و في نفس الوقت لا نفعل شيئا كدولة و شعب لكي نكون امازييغين ، و تارة نقول نحن فرنكفونيين فيتبين أن هذا الحب الفرنسي هو حكر على فئة محدودة من المجتمع التي تملك مفاتيح الثروة و الاقتصاد و الباقي عطي لباباهم الدارجة ديال الزنقة ، علما ان هذا النقاش يجب أن يطال أيضا اللغة الإسبانية التي اغتصبتها لغة موليير على ترابنا فطارت من حساباتنا الكولونيالية مادام الأمر مرتبطا بكرونولوجيا الاستعمار ، و حينما يتجرأ أحد ما لاستعمال عربيته الفصيحة فيتهم بالرجعية و عدم مسايرته للعصر علما ان اللغة العربية تصنف في المرتبة الرابعة عالميا من حيث التداول ، و للأسف يتم تمويه الرأي العام تجاه هاته اللغة فيتم وضعها في إطارها الديني ذو الطبيعة القدسية فينبري للدفاع عنها حصرا أنصار الخط المحافظ علما ان عددا كبيرا من الشعراء و الكتاب و المفكرين اللادينين و الذين يبدعون بلغة الضاد و يحبونها يتوارون للوراء و لا يحركون ساكنا إزاء الهجومات المتتالية التي تتعرض لها العربية الفصحى إيمانا منهم بسياسة الأرض المحروقة ، فوعيا منهم بمشروعية الحرب ضد المقدس الديني فإنهم يضحون بمحبوبتهم ( العربية) في سبيل ترسيخ قيم الحرية و الحداثة التي يراها البعض مستقلة عن المنطوق العربي .