يندرج مفهوم الحكامة ” la Gouvernance ” ، من جهة، ضمن شبكة مفاهيمية لكونه يرتبط ارتباطا عميقا بمجموعة من المفاهيم من قبيل : )مفهوم التنمية، مفهوم المجتمع المدني، مفهوم المواطنة، مفهوم دولة الحق والقانون…(، ومن جهة ثانية، فإن لهذا المفهوم سيرورة تاريخية خاصة به، حيث ارتبط بكيفية إدارة الدول والحكومات للشأن العام. لذلك أصبح لفظ حكامة Gouvernance ، يفيد معنى الرقابة والتوصية والتدبير، وأصبح منظرو الليبرالية الجديدة يلحون على أن المقصود بالحكامة هو الجمع بين الرقابة من الأعلى، الدولة، والرقابة من الأسفل، المجتمع المدني.
إن موضوع مسار و متطلبات الحكامة الترابية بالمغرب موضوع شاسع ومعقد، وهذا التقديم، سيقارب الموضوع من خلال الإجابة عن الإشكالات التي يطرحها، والتي يمكن تكثيفها في إشكالية مركزية، ما هو مسار و متطلبات الحكامة الترابية بالمغرب ؟
أمام التحولات الكبرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ميزت السنوات الأخيرة، وأمام حجم التحديات والرهانات الجديدة التي يعرفها المغرب، وجدت الدولة نفسها مدعوة ليس فقط لمتابعة جهودها في مجال التنمية وتطوير التجهيزات الأساسية ، بل أيضا للقيام بمهام أخرى ذات أهمية خاصة وهي تشجيع وتقوية الإدارة المحلية بشقيها المعينة في إطار
اللاتمركز والمنتخبة في إطار اللامركزية. فلتحقيق التنمية الشمولية المستدامة والمنشودة أصبحت المراهنة أكثر من أي وقت مض ى على المستوى الترابي، أو ما يسمى بالمقاربة الترابية في التنمية، بعد أن أثبتت المقاربة المركزية فشلها وعدم قدرتها على تحقيق متطلبات التنمية الحقيقية.
وفي هذا السياق فإن الدولة المغربية مدعوة للقيام بمجموعة من الإصلاحات المحلية وسن العديد من الاستراتيجيات على جميع الأصعدة والمستويات الإدارية، الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والثقافية. وذلك بإتباع سياسة عمومية محلية متكاملة وشاملة قوامها اللامركزية الحقيقية واللاتمركز الفعال. ثم تأخذ بعين الاعتبار مختلف الإشكالات التي تعاني
منها التنمية والتحديات التي تواجهها، قصد إتباع إستراتيجية ترابية على المدى القريب والمتوسط ولما لا البعيد قصد تحقيق تنمية هادفة وفاعلة لعموم التراب الوطني.
فمند ما يزيد عن عقد من الزمان اصبحت الدولة و المنضمات و الهيئات الوطنية و الدولية تتداول بمناسبة تدبيرها للانشطتها و تقديمها لخدماتها مصطلحا او مقاربة جديدة لتدبير الشان العام او الخاص و يتعلق الامر بالحكامة.
إن مفهوم الحكامة ” la Gouvernance ” يندرج، من جهة، ضمن شبكة مفاهيمية لكونه يرتبط ارتباطا عميقا بمجموعة من المفاهيم من قبيل : )مفهوم التنمية، مفهوم المجتمع المدني، مفهوم المواطنة، مفهوم دولة الحق والقانون…(، ومن جهة ثانية، فإن لهذا المفهوم سيرورة تاريخية خاصة به، حيث ارتبط بكيفية إدارة الدول والحكومات للشأن العام. لذلك أصبح لفظ حكامة Gouvernance ، يفيد معنى الرقابة والتوصية والتدبير، وأصبح منظرو الليبرالية الجديدة يلحون على أن المقصود بالحكامة هو الجمع بين الرقابة من الأعلى، الدولة، والرقابة من الأسفل، المجتمع المدني.
ويعرف الدارسون والخبراء والمختصون هذا المفهوم بأنه تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده المادية والمالية والبشرية الخ. ولكن تجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن هذا التعريف قديم؛ لأنه يركز ويدل فقط على آليات ومؤسسات تشترك في صنع القرار، الشيء الذي جعل هدا التعريف يطرأ عليه تطور بحيث أصبح مفهوم الحكامة يعني حكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم.
: I محددات ومقومات التنمية الترابية في النموذج المغربي
لقد اكتسبت مسألة التنمية الترابية في الوقت الراهن أهمية فائقة بالنسبة للتدبير العمومي بالمغرب، وذلك نتيجة لتظافر مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية والثقافية. وبالنظر إلى طبيعة الاكراهات والتحديات التي ظلت تواجهها المقاربة المركزية للتنمية، حيث ظل المغرب حبيسها منذ الاستقلال على جميع المستويات، وذلك على الرغم من وجود الإدارة الترابية بشقيها المنتخبة والمعينة.
: 1 مكانة التنمية الترابية في منظومة التدبير العمومي المغربي
لقد تطورت الظروف العالمية وعرفت تحولات كبيرة على جميع الأصعدة والمستويات وتطور معها بشكل متلازم مفهوم الدولة سياسيا واقتصاديا وإداريا، بحيث لم تعد مبررات المركزية قائمة، لا من الناحية التاريخية، ولا من الناحية السياسية، ولا التنظيمية، فإداريا فشلت الدولة في تحقيق أهدافها، وسياسيا لم تعد الدولة بمفهومها المركزي، قادرة على إرساء قواعد الديمقراطية، التي تقتض ي القرب من المواطن وإشراكه في تسيير شؤونه بنفسه.
ومن هنا اتجهت جميع الدول، ومن بينها المغرب نحو إرساء دعائم الإدارة المحلية، وتكريس التنمية الترابية ونهج أساليب التنظيم الإداري الحديثة، والمتمثلة أساسا في اللاتركيز الإداري إلى جانب اللامركزية، ولم تأت تلك الأهمية لهذين الأسلوبين بمحض الصدفة، ولا من فراغ، خاصة في الدول النامية كالمغرب، بل كانت نتيجة حتمية لتطورات وطنية ودولية، أملتها ظروف ومعطيات معينة، استوجبت إحداث وحدات ترابية مبادرة ونشيطة وفعالة وساهرة على تدبير الشأن العام المحلي ومساهمة في تحقيق الحكامة الترابية.
إن مفهوم التدبير العمومي « management public » ، الذي يحيل عن “مجموعة من عمليات تخطيط وتنظيم وتنشيط ورقابة الأشخاص العامة، بهدف تطوير أدائها العام وقيادة تطورها في إطار يحترم خصوصياتها، ويرتكز على مبدأ أساسي هو تكيف مناهجه مع تنوع الوضعيات والرهانات” 6 . مازال مفهوما غامضا من الناحية النظرية ويحيل على معاني ومفاهيم متعددة. ولقد تم تعريفه من قبل العديد من الباحثين، ودون الخوض في إشكالاته النظرية، فقد جاء في إحدى تلك التعريفات بأنه عبارة عن “مجموعة من المناهج المساعدة على اتخاذ القرار تتكيف في جزء منها مع المجال العمومي، وكذا مناهج للتسيير مستقاة مباشرة من القطاع الخاص)تدبير محاسبة تحليلية، رقابة التسيير…( مع إدماج الأنظمة المعلوماتية” .
2: عوائق التنمية بين نظام اللاتمركز واللامركزية الترابية بالمغرب
إن التنمية الترابية بالمغرب تستلزم من أجل تقدمها وسيرها منظومتين لابد منهما، منظومة اللامركزية وهي مبنية ومركبة. ومنظومة اللاتركيز الإداري وهي موضوعة بجانب الأولى، إلا أنها غير مركبة. ومن هذا المنطلق تم التأكيد دائما على ضرورة إصلاح الإدارة المحلية، وبالخصوص على أهمية النهوض باللاتركيز الإداري لبلوغ الحكامة الترابية. إلا أنه رغم ذلك مازالت هناك العديد من الصعوبات والإكراهات في أسلوبي اللامركزية واللاتمركز التي تحول دائما دون تحقيق التنمية الترابية المنشودة. ولعل من أبرز تلك الحواجز والمعيقات تلك التي تحول دون تفعيل وتطوير اللاتمركز الإداري، والتي ترتبط أساسا بطبيعة تنظيم الدولة وبمدى اهتمامها بالإدارة الترابية.
:IIمستلزمات التنمية الترابية من الحكامة التدبيرية بالمغرب
اعتبر القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، الدولة منتقلة من منطق الوصاية إلى منطق المواكبة للجماعات المحلية هدا ،يعد تطويرا أساسيا لحمل الجماعات على أن تصبح فاعلا أساسيا في مجال العمل العمومي. ولن يتأتى دلك إلا من خلال ضبطها لعدة مفاهيم أساسية في مجال تدبير الشأن العام ،ودعمها بجانب الإدارة الترابية للدولة حتى تصبحا ركيزتين أساسيتين للتنمية الترابية.
: 1 معالم التنمية الترابية في أفق الحكامة المرتقبة بالمغرب
انطلاقا من المكانة الهامة، التي أضحى التدبير اللامتمركز في إطار متطلبات الحكامة المحلية يتبوؤها، ولكي يتم إنجاح ذلك الرهان، لابد من دعم قدرات الجماعات المحلية والإدارة الترابية للدولة حتى تصبحا دعامتين أساسيتين للتنمية الترابية. فتحقيق التنمية الشاملة، لا يمكن تجسيده على المستوى الواقعي، إلا بنهج سياسة إدارية لا متمركزة عقلانية مبنية على السرعة والفعالية، ومشاركة جميع الفاعلين على المستوى المحلي . ومن هنا ولما كان النهوض والرقي بمستوى التنمية المحلية، هو الهدف الحقيقي الذي ينبغي للدولة أن تحققه، خاصة بعد أن أولت جميع الأنظمة عناية خاصة لقضايا التنمية المحلية، حيث عملت جل الدول وخاصة المتقدمة منها على دعم البنيات الإدارية المحلية حتى تصبح وحدات نشيطة ومبادرة في مشاريع التنمية على المستوى الترابي. كان لا بد من أن تحتل التنمية الترابية مكانة خاصة في منظومة التدبير العمومي المغربي.
ولعل ذلك المنطق، هو ما دفع الخطاب الرسمي للتأكيد دائما على ضرورة نهج سياسة حقيقية في مجال اللامركزية الترابية. وبالخصوص في ميدان اللاتمركز الإداري، حيث ضرورة تكثيف إحداث المصالح الخارجية على الصعيد المحلي وتوسيع صلاحياتها حتى ترقى إلى مستوى المشاركة في المشاريع التنموية الكبرى
: 2 منطلقات إرساء الحكامة المنشودة للتنمية الترابية بالمغرب
تعتبر الحكامة الترابية في المغرب كهدف مبتغى من جميع السياسات العمومية المحلية، وكمستقبل واعد تنتظره جميع المكونات الوطنية من سياسيين وأكاديميين، بل وجميع المواطنين، إحدى النتائج المستهدفة من الجهوية المتقدمة واللاتمركز الواسع. إ لا أن هذا المبتغى لا يمكن تحقيقه إلا بدعم الجماعات الترابية وبرد الاعتبار لأسلوب اللاتركيز الإداري، عن طريق مجموعة من التدابير المطلوبة لتفعيل هذا الأسلوب تفعيلا حقيقيا. ومن جهة أخرى فإن قيام الإدارة الترابية للدولة بأدوار جديدة وطلائعية للمشاركة في مسلسل تدعيم التنمية الترابية، رهين بمنطلقات ضرورية لتحقيق الحكامة في مجال اللاتمركز الإداري.هده الفضاءات والأنماط الجديدة للتنظيم الترابى ظهرت و تؤدي الى التساؤل حول الدور المتميز للحكامة الترابية كمسلسل للتنسيق بين مختلف الفاعلين خاصة العامين وايضا ابراز اهمية الجماعات الترابية و احتواء الموارد .
إن التدابير المطلوبة لتفعيل مساهمة اللاتمركز الإداري بالمغرب في التنمية الترابية ليست تلك الإجراءات أو ردود الأفعال الروتينية التي كانت مألوفة دائما في هذا المجال، بل لابد من إصلاحات حقيقية وجوهرية. ولعل من أبرز تلك الإصلاحات هو تأهيل المصالح اللاممركزة لتكون محورا فعليا لكل الوظائف التنفيذية والمحلية للدولة، داخل النطاق الترابي الذي تزاول فيه نشاطها. لذا يجب العمل على تقوية الإدارة الترابية للدولة أولا بمنحها الوسائل المالية والبشرية الضرورية للقيام بمهامها، ثم بعد ذلك ينبغي منحها السلطة القانونية الكاملة على أنشطتها، وجعلها حرة في إطار احترامها للضوابط القانونية المعمول بها في اتخاذ القرارات التي ترغب فيها وتلائم تدخلاتها .
ختاما :
لابد من القول تفاؤلا أن مشروع الجهوية المتقدمة وفي إطاره اللاتمركز الواسع الذي أعلن عنه الملك محمد السادس، لا يمكن أن يكون إلا عملا تنمويا يتوخى تنمية الجماعات المحلية في كل أبعادها ومستوياتها، كمدخل للإصلاح بمفهومه الشامل. وهو ما يمكن أن يساهم في خلق شروط خروج حقيقي من التخلف والأزمة، لمواجهة إكراهات العولمة محليا،
ما دامت مجابهة تحديات العولمة يمكن أن تتم من خلال تنمية المستوى المحلي وتأهيله، إلا أن ذلك يتوقف بالدرجة الأولى على الممارسة وما يمكن أن تفرزه من مشاريع وخطط والتي يمكن الخروج من خلالها من مخلفات و رواسب الماضي إلى بر الأمان من خلال قارب الجهوية المتقدمة واللامركزية المتطورة، حيث نريد لها أن تكون كذلك خطابا وقانونا وممارسة.
نجاة الصلاي دكتور في العلوم القانونية