نظم المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بتنسيق مع رئاسة النيابة العامة، ندوة وطنية حول مدونة الأخلاقيات المهنية، اختتمت أشغالها مساء يوم الجمعة الماضي بالمعهد العالي للقضاء.
وتميزت الندوة بفتح نقاش غير مسبوق بين كبار مسؤولي القضاء حول “القاضي وحرية التعبير”، وذلك عقب نشر مدونة الأخلاقيات القضائية في الجريدة الرسمية في مارس الماضي.
وأسند الساهرون على تدبير النقاش، مهمة تقديم عرض حول “تعامل القضاة مع الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي”، إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بأكادير، الدكتور عبد الكريم الشافعي.
و ووفق ما ذكره “اليوم 24” فقد شدد الشافعي، على أن “الشأن القضائي أصبح مادة دسمة بالنظر لطبيعة المواضيع التي تعرض على المحاكم، وفي بعض الأحيان ملجأ للربح وإثارة الرأي العام”، مؤكدا على أن “السمة الغالبة التي تطبع العلاقة بين الإعلام والقضاء هو الصراع، بالنظر لطبيعة كل واحد منهما”.
و حسب االمسؤول القضائي فإن سبب ذلك الصراع، يرجع بالأساس، إلى “طبيعة كل واحد منهما (القضاء والإعلام)، واختلاف السرعات المعتمدة، فالحقيقة القضائية تتطلب الوقت بسبب المساطر والإجراءات، بينما الإعلام يسعى للسبق الصحافي، فكيف يا ترى يمكن أن نوازن بين المعلومة القضائية والحق في الإعلام والمعلومة الصحيحة؟”.
ويرى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بأكادير، أن “الإعلام يسعى دون قيد أو شرط، للوصول إلى المعلومة دون قيد أو شرط، مسخرا جميع مصادره، خصوصا إذا تعلق الأمر بقضية تستأثر باهتمام الرأي العام، ويتناسى أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فيخرج إلى الرأي العام بمواد إعلامية تهين المشتبه فيه ضدا على قرينة البراءة”.
وأضاف المسؤول القضائي، “وهو ما يشكل ضغطا رهيبا في بعض الأحيان على القضاء، سيما إذا تضمنت الأخبار المنشورة مغالطات ووقائع لا سند لها، بينما ينهج القاضي منهج السرية أثناء البحث والتحقيق حماية للضحايا من أي تشهير”.
وشدد المتحدث على أنه “إذا كان الحصول على المعلومة حقا من الحقوق الدستورية، فإن ذلك يطرح عدة تساؤلات في الارتباط بالمصادر القضائية، حول المعلومات التي يمكن نشرها وحدودها، وتمكين الإعلام منها، ولم يحدد المشرع المغربي معيارا لتلك المعلومات أو طبيعتها، لكنه استئناسا ببعض التشريعات المقارنة، واعتمادا على المبادئ العامة الواردة في الدستور والقوانين ذات الصلة، يمكن الأخذ بمعيار المصلحة العامة”.
ويرى الوكيل العام للملك، أنه مما لا شك فيه “حرية التعبير وحق الأشخاص في الوصول إلى المعلومة، من الحقوق التي كرسها الدستور المغربي، غير أن ممارستها من طرف السادة القضاة في ارتباطها بمجال الإعلام، يصطدم بمجموعة من القيم والأخلاقيات والتقاليد الراسخة في العمل القضائي”.
وشدد المسؤول القضائي، على أن “الإشكال يكمن في كيفية التوفيق بين مبدأ الحفاظ على استقلالية القاضي والتزامه بواجب التحفظ من جهة، وضمان ممارسته لحق التعبير عن الرأي وحق المواطن في الوصول إلى المعلومات”.
وأوضح المتحدث، أنه “في بعض القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام، وبينما يكون القاضي منشغلا بالبحث عن ما يقتضيه الأمر من إجراءات مسطرية، تسارع وسائل الإعلام وتقتفي أثر أي شخص أو وجهة، من أجل استصدار تصريح أو الحصول على معطيات ووسائل الوصول إلى سبق صحافي”.
وتابع الشافعي، “بينما يكون القاضي مقيدا ومحاصرا باحترام أخلاقيات ومبادئ القضاء، وهو ما يفرض البحث عن صيغة مناسبة لنشر الخبر وتزويد وسائل الإعلام بالخبر اليقين، دون خرق ضمانات المحاكمة العادلة، وهي معادلة في غاية الصعوبة والتعقيد”.
عن اليوم 24 بتصرف