أحداث سوس
عصامية بعض مؤسسي الأسر السوسية المعروفة، لم تقف عند حد معين، بل كان الطموح والكفاح عنوان حياتهم، وكمجموعة من المناطق بسوس عرفت تيزنيت وضواحيها بشخصيات شكلت استثناء، بعد أن حفرت في الصخر ورسمت خطا لحياتها، يحذوها الأمل والطموح لأن تصبح في يوم ما شخصية معروفة، بل وأخذت بيد بعض أقربائها أو أصدقائها كما هو الحال لقصة كفاح أحمد أوسعيد بيشا، وشريكيه قريبه الحسين وابراهيم إدحلي.
أحمد أوسعيد بيشا… واحد من أعيان تيزنيت، لقب ب”العبقري”، من مواليد 1920، يتيم الأب، تعلق بأمه أيما تعلق، فاعتنت به وقامت بتنشئته، لم يتمكن من دخول الكتاب، لكن ذلك لم يمنع من أن يكون لهذا الفتى طموح، سيتعاظم ويتضخم ليضع ٱل بيشا على هرم هولدينغ تجاري عقاري كبير.
بدأ أحمد أوسعيد بيشا بأعمال تجارية صغيرة، مثل القمح والصوف وبيع الشاي والسكر بالداووير، والغاز المخصص لإنارة البيوت، وكان يستعين في تجارته البسيطة بأحد أبناء بلدته يساعده في العمل الحسابي، هذه العملية المهمة والمعقدة على بعض الأشخاص الذين لم يتلقوا تعليما، ستحمل صديقه إد حلي إبراهيم من مجرد مساعد إلى شريك ستكون له كلمة واسمن يحمله إلى كبار القوم وعليته، بتيزنيت كما بعموم سوس.
كان أحمد أوسعيد يتنقل بين دواوير تيزنيت، يشتري القمح من الساكنة ويقوم ببيعه في مناطق أخرى. قبل أن يمنحه أحد أصدقائه محلا بتيزنيت قرب باب أكلو، وكان الحاج أحمد أوسعيد يتنقل بين الصويرة والدار البيضاء لاقتناء السلع فيما يقوم شريكه إدحلي بالبيع في الدكان.
أشرك أحمد أوسعيد ابن عمه الحسين بيشا وصديقه ابراهيم إدحلي -الذي أصبح اسم بيشا لصيقا به- في تجارته بنسبة النصف، يشترون المواد الغذائية بكميات كبيرة ويبيعونها بمحل تيزنيت ويقتسمون الأرباح مناصفة، وزعوا العمل بينهم، كان أحمد يلتزم بالبقاء في الدار البيضاء، يرسل لهم السلع، فيما كانت مهمة الحسين هي التعامل مع الزبناء بالمحل، وابراهيم إدحلي مكلفا بالعلاقات العامة مع الاشخاص يبحث عن أسواق ويدير الصفقات.
اشتروا بتيزنيت مستودعا لصناعة الآجور، كما جاء في مؤلف للدكتور عمر أمرير. واقتسموا السكن في في أول دار اشتروها بدرب الرميقي، قبل أن ينتقل الحاج أحمد إلى منزل آخر ويترك المنزل الأول لشريكيه.
وفي مرحلة، اقتنى الحسين وابراهيم معمل “أفيرون” من مالكه الحسين أشنكلي، فعملا على إنجاح المشروع، وحقق المعمل أرباحا خيالية مكنهما من دخول غمار الصناعة الغذائية من بابها الواسع. وهو ال المشروع الذي اثمر مشاريع في مجال تصبير السمك والخضر.
انتقل اهتمامهم إلى بناء التجزئات العقارية، وقد تمكنت المجموعة خلال التمانينيات أ، توجع مجال استثماراتها عبر بناء العقار بشارع الحسن الثاني، لتنتقل إلى حي السلام حيث تمددت مشاريع البناء السكني ومعه تطور العقار بسوس ليشمل مناطق أخرى.
أنشطة بيشا شملت فضلا عن ذلك توزيع منتوجات الزيوت “المحروقات”، فكانت أول محطة أشرفوا عليها تابعة لمجموعة “شيل” وانتقلت اهتماماتهم بشكل أوسع نحو المجال العقاري، ولم يتخلفوا عن إشراك أنباء بلدتهم ومساعدتهم.
تمكنت أسرة بيشا من خلق شركات ومشاريع كبرى، وتطورت أعمالهم حتى أصبح اسمهم في الصدارة.
وقد عرف عن ابراهيم ادحلي إنفاقه الكبير على المدارس العتيقة وتشجيعه الطلبة على حفظ القرآن الكريم، وتدبره، و تشجيع آباء الأطفال على ترغيب أبنائهم في الدين وحثهم على حفظ كتاب الله. فإبراهيم المستثمر العقاري، كما في مجال المصبرات والمحروقات كانت بدايته من مسجد صغير حيث امتهن الإمامة، ورغم أن شراكته مع أحمد بيشا أخرجته من المسجد غير أنه ظل محبا للفقهاء والأئمة وطلبة القرآن يجالسهم ويحاججهم ويعطف عليه حتى أصبح جمهور عريض من حفظة القرآن والمشتغلين بهم يعتبرونه قدوة ومضربا للمثل، بين زميل لهم جمع بين المال والزهد في الحياة وفعل الخير.
أحمد أوسعيد والحسين وابراهيم من أوائل العصاميين من رجال الاقتصاد بسوس، تمكنوا بمعية أحمد أوسعيد من حفر اسمهم في سجل الاقتصاد المغربي، عاشوا في قبيلة لم تتوفر فيها شروط الرفاهية، فثابروا وعملوا لبلوغ ما وصلوا من مراتب اقتصادية واجتماعية، وكانت جنازة ابراهيم إدحلي دليلا على الاحترام الذي أحاط نفه به، فكانت جنازة مهيبة خلال شهر يونيو من السنة الماضية.
ظل الحاج ابراهيم وفيّا لنهجه الصّوفي بحضور “المعارف” وموائد الذّكر في المناسبات الدّينية الموسميّة التي يُحتفل بها في “أدرار” و”أزغار” وكان يحظى بمكانة كبيرة في حضرة رجالات العلم والسياسة بسوس.
ابراهيم ادحلي ورث لأبنائه شركات عملاقة، بعد أن بدأ مساعدا لتاجر، ابن بلدته أحمد أوسعيد وشريكا له وللحسين، ليتولى زمام الأمور بعده ابنه ناجم الذي يعتبر المدير العام لمجموعة “إدناكو” القابضة، يسير على خطى والده.
أما زينة إدحلي، ابنته، فقد سبحت بعيدا عن مشاريع العائلة، فبعد أن تابعت دراستها بتيزنيت، حصلت على الإجازة بكلية الشريعة بآيت ملول، حصلت بعد ذلك على ماستر الأعمال من مؤسسة جامعية خاصة بأكادير، لكن بالثقافة القانونية دفعها لدراسته والحصول على إجازة في القانون سنة 2016، ثم ماستر سنة 2018. وتمارس عملها كمحامية وكذلك نائبة برلمانية ومستشارة بمجلس الجهة وبالجماعة.