إصدارات: “كـأَنْ لا أَحَدْ” ضمن سلسلة “نصوص أدبية” للكاتب المغربي محمد آيت علو

إصدارات: “كـأَنْ لا أَحَدْ” ضمن سلسلة “نصوص أدبية” للكاتب المغربي محمد آيت علو

أحداث سوس29 ديسمبر 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات

يطلع علينا جديد الكاتب محمد آيت علو يإصدار جديد والموسوم ب” كأَنْ لا أَحَدْ” عن مؤسسة “آفاق للدراسات والنشر والاتصال” المغربية المركز الثقافي، ويأتي هذا الإصدار الجديد ضمن مشروع متميز، بدأه الكاتب كتجربة ومغامرة جريئة بادي الأمر، وقد نال استحسان الكثيرين، وشكل هاجساً لدى آخرين، وأنار درب البعض، فكان فاتحة الانشغال بالتجريب القصصي وركوب الممكن، تجربة بدأت منذ أواخر التسعينات بمعية وتوجيهات ثلة من الكُتاب والمبدعين والنقاد المتميزين على الساحة العربية، والذين واكبوا التجربةَ بمقارباتهم المتميزة، فتحقق النجاح، على أن سر النجاح في شيء يأتي من الاقتناع به أولا، ليستمر المشروع…
على أن هذا الانفلات قريبٌ من دلالته اللغوية كانفلات السجين من حراسه، وكشكل من أشكال النجاة والخلاص والانطلاق، خلاص الحبل من اليد، انطلاق وتسرب الحروف والكلمات في انسياب كاغتراف من بحر لاشط له، وهي تجربة بدأت مع الكاتب محمد آيت علو من خلال أول مؤلف: ” باب لقلب الريح من أجل كوة للفرح” في طبعتين، (الطبعة الأولى: غشت 2000 والطبعة الثانية: أبريل2011)، هذا ومن المنتظر أن يلقى مؤلف “كأنْ لا أَحَدْ” نجاحا مماثلا، نظراً للعوالم التخييلية المفتوحة على الدهشة والإثارة، وقدرة نفاذها إلى عمق الذات الإنسانية، ضمن مسافات للحب الصوفي بوسم الحلم، بحثاً عن كوة ضوء، من خلال طاقة فائقة من الكثافة اللغوية تختصرُ المسافات الزمكانية بفنية مدهشة، بدهشة الحياة ذاتها، والتي تتشكلُ بتفاصيل اليومي المعيش..حيث تأخذنا الكلمات إلى عوالم بهية، تتمايزُ ظلالاً من شلالات المعاني، وتنتقل بأرواحنا إلى صفاء المعنى، وإنسانية الإنسان. إنها دينامية داخلية تسري في نسغ النصوص المنفلتة، بمسافاتها الخاصة لهذا الكاتب، الذي يستثمرُ شاعريتهُ ليُبدعَ لغة سردية خاصة…
هكذا تأتي هذه المجموعة للكاتب محمد آيت علو في السياق ذاته تحت عنوان : ” كأَنْ لا أحَدْ ” وقد ازدان بغلاف مُعْتَبَر وجد مُعَبّر يتناغم وفق قصة السيناريو أو ضمن السكريبت ، واللوحة للفنان التشكيلي خالد عروب، وتقع المجموعة في 112 صفحة ، كما أنَّها تضم عشرين عنوانا هي من الصفحة رقم 7 الى الصفحة رقم 108: وجوه وأفواه- إلى حين تمطر- أصبع صغير- زنزانة لاتضيء – كذلك بعد اليوم – صور رجال جبال – حائلُ الاشتهاء – احتضارُ حياة – طيفُ ابتسامة – اختراقٌ محموم – تردد – ذو الوجه النحاسي – الطفل الكهل – كوة في الغياب – آلة صماء والآخر إنسان –نظرة بنظرة – قناعُ ممثل – أيقونات الغفلة – أخيراً وحدك…. بمقدمة لابن الأثير عبده بن خالي حول هذا المشروع:”نصوص منفلتة ومسافات” ويتخلل الكتاب كتابات شذرية من حصيلة التجربة الحياتية المعيشة، وكحقائق لمن خبر الحياة، حيث يجدُ الإنسانُ نفسهُ في آخر المطاف وحيداً، من قبيل:
لقد كان قومي
مرة مثل
رمال الشواطئ…،
والآن
أناديهم ولا تجيبني سوى
الرياح
وباختياراته الفنية والجمالية، وفاءً منهُ لمنهجه المتميز، والمختلف في صوغ المتن النصي الحكائي والقصصي الموسوم بطابع التجريب والممانعة، المسكون بميل جارف لخلخلة الأساليب التقليدية للسرد القصصي، وخروجاً بالنص إلى عوالم خاصة مفتوحة على احتمالات الدهشة والمغامرة، وكمواصلة للحفر عميقاً في ذواتنا ولكُواته، بانفلاتات ومسافات عبَّر عنها المبدعُ “ابن الأثير عبده بن خالي” قائلاً: ” *المسافةُ هنا ضرورية لسبر أغوار النص، كما أن الإنفلات في الأصل مسافة إبداعية…توجُّهٌ جديدٌ يتميز بشيء مختلفٍ يضع في الحسبان القارئ، وذلك بإشراكه في العملية الإبداعية، المسافةُ هنا تُعيرُ اهتماماً خاصا للقارئ، لأنها تنتقلُ به من مجرد مستهلك، إلى قارئٍ يُساهمُ بنشاطٍ كبيرٍ كَكاتبٍ آخرَ للنص أو العمل الأدبي، فالقارئُ يصبح في صراع مع “الممتنع” و”الممتع”، وفي إطار هذا الصراع يلعبُ القارئُ أدواراً متعددةً، فهو يقرأُ ويبحثُ عن قراءاتٍ جديدةٍ…وهُنا تتحققُ إبداعيةُ النَّص وجماليته،كما أنَّ الانفلاتَ احتراقٌ من أجل تأسيسِ هُوية الحداثَة، وتجريبٌ صادرٌ عن شغبٍ وتمردٍ بشكل واعي، وتأملات للعالم والحياة والأشياء، وتداعيات ومسافات للذاكرة، وإبحارٌ تخييلي، خبرة مصقولة، وسعي لتطوير الأساليب والآليات، وحرصٌ على اكتشاف شيء جديد ينضحُ بالدهشة، والسؤال حول الذات، كمشروع جمالي تجريبي يتجاوز المألوف، مع شيء من الجدة والمغامرة، ونشيدٌ يعانقُ التحول والاستمرار، من خلال معانقة الإنسان، بهدف الطموح إلى الإنخراط في لحظة الإندماج الحقيقية، ما دام كل انفلات مشروعاً إبداعياً لممارسة يومية، لاتنفصلُ عن المشروع المجتمعي ككل، بل تخلق بينه وبين هاجس تحوله، مسافات تتمفصلُ أبعادُها داخلَ ذات تنتمي للمكان الذي ولدت فيه، وعانقت من خلاله هموم وأحزان الزمان، الذي يفعلُ فيه بشكل حضاري، وما دامت المسافاتُ من خلال تمفصل أبعادها، تمتلكُ إمكانية التأثير في الإنسان، في التاريخ والواقع ارتباطاً بامتلاك إمكانية الفعل، والتفعيل في اللحظة الراهنة…!
كما أنَّ التجربةَ الإبداعيةَ في المشروع اللافت للنظر لدى الكاتب محمد آيت علو تعتمدُ على التشظي، فكل جزء يعتمد على الوحدة الكاملة للتاريخ والفكر، ومن خلال القراءة الواعية نرى توظيف جديد للصورة الفنية، ولعبارات خارجة عن المألوف، أما بالنسبة للتيمات فهناك حضورٌ مكثَّفٌ لتيمة الوحدة، الموت، القبر، الشتات، البحث عن الذات، الغربة، الرحيل، الاغتراب، الخواء التيه، الجحود، النرجسية، واحتقار المغلوبين والضعفاء…مع شيء من البهجة، الابتسام، والتوهج من أجل كُوَّة للفرح في حياة لم تعد حياة…، فضلا عن النهايات، فهي تكادُ تُشكلُ تحولاً في مسار الأحداث، علاوةً على عُنصر المفاجأَة فيها…تسلمنا إلى الرمزية والعُمق…
يبقى في الأخير أن نُنوهَ بالقيم النبيلة والحب الجميل الذي يتغيَّاهُ المؤلف الكاتب محمد آيت علو في”كأنْ لا أَحَد”حيث نُشدان التغيير واستشرافه، وكم هو جميلٌ أن نبدأ كتابةً للحب المتسامي الصوفي إن شئنا، ولو علم النَّاسُ ما يفعله الحبُّ في قلوبهم وحياتهم، لتغيرت أشياء كثيرة ولتجاوزُوا ما يُعانونه اليوم، بل ولتَغلَّبُوا على شقائهم المضْنِي، ولتغيَّرَ وجهُ التاريخ، هذا المبني على إيقاعِ الحُروبِ والقَتْلِ والدَّمَار…
هكذا نجدُ عَوالم إنسانية مُدْهِشَة ومُبْهِرة، إذ نجدُ استكشافاً أساسياً ونقصد تصدي الكاتب للأمراض النفسية مثل الانتهازية والظهور والغُرور، وحب الذات والحقد والتعالي والزهو الخادع…فضلاً عن استرجاع مناطقَ ظليلة من الماضي الجميل المحجوب المنسي والمنكمش، مع وحشية الطفولة ووحشية الواقع.
ثم إن الأعمالَ الإبداعيةَ المتميِّزة لايحدِّدُها بعدُ مقياسٌ ثابتٌ، فهذا لايحدثُ حَتىَّ في الحُلم. كما أنَّ العالمَ يفلتُ مِنَّا باستمرار، والإبداعُ يحاولُ القَبْضَ على هذا الإفلات، فنحنُ حين نستعيدُ بالإبداعِ هذا العالم الهاربَ منا، لانضعه في صورةٍ مُؤَطَّرةٍ ونحتفظُ به كذكرى لمسافات، واسترجاع لما قد فات…وتمتدُّ هذه المسافات في ذلك الإنفلات، ليُصبحَ الإنفلاتُ مسافات بين التداخُل والإمتدادِ رؤية في اتجاه أن نكون أو لا نكون…!!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *